وأيضاً فلو كانت الجملة صفة للنكرة لجاز أن تقع صفة المعرفة بعد « إِلاَّ ». يعني نحو : مَا مَرَرْتُ بِزَيْدٍ إِلاَّ العَاقِلِ.
ثم قال : فإن كانت الصفة غير معتمدة على الأداة جاءت الصفة بعد « إلاَّ » نحو : ما جاءني أحدٌ إلاَّ زيدٌ خيرٌ من عمرٍو، والتقدير : ما جاءني أحدٌ خيرٌ من عمرٍو إلاَّ زيدٌ.
وأمَّا كون الواو تزاد لتأكيد وصل الصفة بالموصوف فغير معهود في عبارة النحويين، لو قلت : جاءني رجلٌ وعاقلٌ. لم يجز، وإنما تدخل الواو في الصفات جوازاً إذا عطف بعضها على بعض وتغاير مدلولها، نحو :« مَرَرْتُ بِزَيْدٍ الشجع والشاعر ».
وأما ﴿ وثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾ [ الكهف : ٢٢ ] فتقدم الكلام عليه.
قال شهاب الدين : أما كون الصفة لا تقع بعد ( إلاَّ ) معتمدةً فالزمخشري يختار غير هذا، فإنَّها مسألة خلافية، وأما كونه لم يقل ( إلاَّ قائماً ) بالنصب دون « قَائِم » بالجر فذلك على أحد الجائزين، وليس فيه دليل على المنع من قسيمه. وأما قوله : فغير معهود في كلام النحويين. فممنوع، هذا ابن جنِّي نصَّ عليه في بعض كتبه، وأما إلزامه أنها لوكانت الجملة صفة بعد ( إلاَّ ) للنكرة، لجاز أن تقع صفة المعرفة بعد ( إلاَّ ) فغير لازم، لأنَّ ذلك مختص بكون الصفة جملة، وإذا كانت جملة تعذر كونها صفة للمعرفة، وإنَّما اختص ذلك بكون الصفة جملة، لأنها لتأكيد وصل الصفة والتأكيد لائق بالجمل.
وأمَّا قوله : لو قلت : جاءني رجلٌ وعاقلٌ. لم يجز، فمسلَّم، ولكن إنما امتنع ذلك في الصفة المفردة لئلا يلبس أإن الجائي اثنان : رجدلٌ وآخر عاقلٌ، بخلاف كونها جملة فإنَّ اللبس منتفٍ، وقد تقدم ( الكلام في ) ﴿ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ ﴾ الكهف : ٢٢ ].
قوله :« ذِكْرضى » يجوز فيها أوجه :
أحدها : أنها مفعول من أجله، وإذا كانت مفعولاً من أجله ففي العامل فيها وجهان : أحدهما :« مُنْذِرُونَ » على أنَّ المعنى : منذرون لأجل الموعظة والتذكرة.
الثاني :« أَهْلَكْنَا ».
قال الزمخشري : والمعنى : وَمَا أَهْلَكْنَا من أهل قريةٍ ظالمين إلاَّ بعد ما ألزمناهم الحجَّة بإرسال المنذرين إليهم، ليكون تذكرة وعبرةً لغيرهم، فلا يعصون مثل عصيانهم : ثم قال : وهذا الوجه عليه المُعَوَّل. قال أبو حيان : وهذا لا معوَّل عليه، فإنَّ مذهب الجمهور أنَّ ما قبل إلاَّ لا يعمل فيما بعدها إلاَّ أن يكون مستثنى أو مستثنى منه، أو تابعاً له غير معتمدٍ على الأداة نحو : ما مررتُ بأحدٍ إلاَّ زيدٌ خيرٌ من عمرٍو.