الثاني : أنه متعلق بمحذوف، أي : اذهب في تسع آياتٍ، وقد تقدم اختيار الزمخشري كذلك عند ذكر البسملة، ونظره بقوله الآخر :
٣٩٣٤ - فَقُلْتُ إلَى الطَّعَامِ فَقَالَ مِنْهُمْ... وقولهم : بالرَّفاء والبنين وجعل هذا التقدير أقرب وأحسن.
قال الزمخشري : ويجوز أن يكون المعنى : وألْقِ عَصَاكَ وَأَدْخِلْ يَدَكَ في تِسْع آيَاتٍ، أي : في جملة تسع آياتٍ. ولقائل أن يقول : كانت الآيات إحدى عشرة منها اثنتان اليد والعصا، والتِّسع الفَلْقُ، والطُّوفان، والجراد، والقُمَّل، والضَّفادع، والدَّم، والطَّمسة، والجدب في بواديهم، والنقصان من مزارعهم انتهى.
وعلى هذا تكون ( في ) بمعنى ( مَعَ ) أي : هذه آية مع تسع آيات أنت مرسل بهن إلى فرعون وقومه، لأن اليد والعصا حينئذ خارجتان من التسع، وكذا قال ابن عطية، أعني أنه جعل « فِي تِسْعِ » متصلاً ب « أَلْقِ » و « أَدْخِلْ »، إلا أنه جعل اليد والعصا من جملة التسع، وقال : تقديره : تُمَهِّدُ لك ذلك وتيسِّر في تسع، وجعل في الزجاج ( في ) بمعنى ( من )، قال كما تقول : خذ لي من الإبل عشراً فيها فحلان، أي منها فحلان.
قوله :« إلَى فِرْعَونَ » هذا يتعلق بما تعلق به « فِي تِسْع » إذا لم نجعله حالاً، فإن جعلناه حالاً علقناه بمحذوف، فقدّره أبو البقاء مرسلاً إلى فرعون. وفيه نظر، لأنه كونٌ مقيَّدٌ، وسبقه إلى هذا التقدير الزجاج، وكأنهما أرادا تفسير المعنى دون الإعراب.
وجوَّز أبو البقاء أيضاً أن تكن صفة ل « آيَاتٍ »، وقدَّره : واصلةً إلى فرعون، وفيه ما تقدم.
قوله :« مُبْصِرَةً » حال، ونسب الإبصار إليها مجازاً، لأن بها يبصر، وقيل : بل هي من أبصر المنقولة بالهمزة من بصر، أي : أنها تبصر غيرها لما فيها من الظهور، ولكنه مجاز آخر غير الأول، وقيل : هو بمعنى مفعول، نحو « مَاءٌ دَافِقٌ » أي : مدفوق.
وقرأ عليّ بن الحسين وقتادة بفتح الميم والصاد، أي : على وزن أرض مسبعةٌ، ذات سباعٍ، ونصبها على الحال أيضاً، وجعلها أبو البقاء في هذه القراءة مفعولاً من أجله، وقد تقدم ذلك. ومعنى « مُبْصِرَةً » : بينة واضحة.
﴿ قَالُواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ ظاهر.
قوله :« وَجَحَدُوا بِهَا » أي : أنكروا الآيات، ولم يقروا أنها من عند الله.
قوله :« وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ » يجوز أن تكون هذه الجملة معطوفة على الجملة قبلها، ويجوز أن تكون حالاً من فاعل « جَحدُوا »، وهو أبلغ في الذم، واستفعل هنا بمعنى « تَفَعَّلَ »، نحو : استعظم واستكبر، والمعنى : أنهم علموا أنها من عند الله، وفائدة ذكر الأنفس أنهم جحدوا بألسنتهم واستيقنوها في قلوبهم وضمائرهم، والاستيقان أبلغ من الإيقان.
قوله :« ظُلْماً وَعُلُواً » يجوز أن يكونا في موضع الحال، أي : ظالمين عالين، وأن يكونا مفعولاً من أجلهما، أي : الحامل على ذلك الظلم والعلو.