﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾ [ القصص : ٨٨ ]، والقطاة تقول : من سكت سلم، والببعاء : ويلٌ لِمَنِ الدُّنْيَا هَمُّهُ، والضفدع يقول : سبحان ربِّي القدُّوس، والبازي يقول : سبحان ربي وبحمده. وعن مكحول قال : صاح دُرَّاج عند سليمان، فقال : أتدرون ما يقول؟ قالوا لا، قال : فإنه يقول :﴿ الرحمن عَلَى العرش استوى ﴾ [ طه : ٥ ].
قوله :﴿ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾ تؤتى الأنبياء والملوك، قال ابن عباس : من أمر الدنيا والآخرة. وقال مقاتل : يعني النبوة والملك وتسخير الجن والشياطين والريح ﴿ إِنَّ هذا لَهُوَ الفضل المبين ﴾، والمراد بقوله :﴿ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾ كثرة ما أوتي، لأن كثرة المشاركة سبب لجواز الاستعارة، فلا جرم يطلق لفظ الكلم على الكثرة، كقوله ﴿ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [ النمل : ٢٣ ] وقوله :﴿ إِنَّ هذا لَهُوَ الفضل المبين ﴾، أي : الزيادة الظاهرة على ما أعطي غيرنا، روي أن سليمان أعطي ملك مشارق الأرض ومغاربها، فملك سبعمائة ( سنة ) وستة أشهر، ملك جميع أهل الدنيا من الجن والإنس والدواب والطير والسباع، وأعطي على ذلك منطق كل شيء، وفي زمانه صنعت الصنائع العجيبة.
فقوله :﴿ إِنَّ هذا لَهُوَ الفضل المبين ﴾ تقرير لقوله :﴿ الحمد لِلَّهِ الذي فَضَّلَنَا ﴾ والمقصود منه : الشكر والمحمدة، كما قال عليه السلام :« أَنَّا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ ولا فَخْرَ »
فإن قيل : كيف قال « عُلِّمنا » و « أُوتِينَا »، وهو كلام المتكبر؟ فالجواب من وجهين، الأول : أن يريد نفسه وأباه.
والثاني : أن هذه النون يقال لها نون الواحد المطاع، وكان ملكاً مطاعاً.
قوله :« وَحُشرَ لسُلَيْمَانَ » : وجمع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير في مسير له، فقوله :« مِن الجَنّ » وما بعده بيان ل « جنوده » فيتعلق بمحذوف، ويجوز أن يكون هذا الجار حالاً، فيتعلق بمحذوف أيضاً.
قوله :« فهم يُوزَعُون » أي : يمنعنون ويكفُّون، والوزع : الكف والحبس، يقال : وزعه يزعه فهو وازع وموزوع، وقال عثمان - رضي الله عنه - :« مَا يَزَعُ السُّلْطَانُ أَكْثَرُ مِمَّا يَزَعُ القُرْآنُ »، وعنه :« لاَ بُدَّ لِلقَاضِي مِنْ وَزَعَةٍ » وقال الشاعر :

٣٩٣٥ - وَمَنْ لَمْ يَزَعْهُ لُبُّهُ وحَيَاؤُهُ فَلَيْسَ لَهْ مِنْ شَيْبِ فَوْدَيْهِ وَازعُ
وقوله :﴿ أوزعني أَنْ أَشْكُرَ ﴾ بمعنى ألهمني من هذا، لأنَّ تحقيقه : اجعلني من حيث أزع نفسي عن الكفر فقوله :« فَهُمْ يُوزَعُونَ » معناه : يحبسون، وهذا لا يكون إلا إذا كان في كل قبيل منها وازع متسلط على من يرده ويكفيه. وقال قتادة : كان كل صنف من جنوده وزعة ترد أولها على آخرها لئلا يتقدمون في المسير، والوازع : الحابس والنقيب، وقال، وقال مقاتل يوزعون يساقون، وقال السدي : يوقفون، وقيل يجمعون.
قوله :« حَتَّى إذَا » في المُغَيَّا ب « حتى » وجهان :
أحدهما : هو « يُوزَعُونَ »، لأنه مضمن معنى فهم يسيرون ممنوعاً بعضهم من مفارقة بعض حتى إذا.


الصفحة التالية
Icon