والثاني : أنه محذوف، أي فساروا حتى وتقدم الكلام في حتى الداخلة على إذا، هل هي حرف ابتداء أو حرف جر.
قوله :« عَلَى وَادِي » متعلق ب « أَتَوا »، وإنما عدِّي ب « عَلَى »، لأنَّ الواقع كذا، لأنهم كانوا محمولين على الريح، فهم مستعلون. وقي : هو من قولهم : أتيت عليه، أي استقصيته إلى آخره، والمعنى أنهم قطعوا الوادي كله وبلغوا آخره.
ووقف القراء كلهم على « وَادِ » دون ياء اتباعاً للرسم، ولأنها محذوفة لفظاً لالتقاء الساكنين في الوصل، ولأنها قد حذفت حيث لم تحذف لالتقاء الساكنين ( نحو ﴿ جَابُواْ الصخر بالواد ﴾ [ الفجر : ٩ ] فحذفها وقفاً، وقد عهد حذفها دون التقاء الساكنين )، فحذفها عند التقاء الساكنين أولى، إلا الكسائي، فإنه وقف بالياء، قال : لأن الموجب للحذف إنما هو التقاء الساكنين بالوصل، وقد زال، فعادت اللام، واعتذر عن مخالفة الرسم بقوة الأصل.
والنَّملُ : اسم جنس معروف واحده نملةٌ، ويقال : نُمْلَةٌ ونُمْلٌ بضم النون وسكون الميم، ونُمُلَة ونُمُل بضمّهما، ونَمْلَة بالفتح، والضم بوزن سمرة، ونَمُل بوزن رجل، واشتقاقه من : التَّنمُّل، لكثرة حركته، ومنه قيل للواشي : المُنَمِّل، يقال : أنْمَلَ بين القوم مُنْمِل، أي : وشَى وَنَمَّ، لكثرة تردده، وحركته في ذلك، قال :

٣٩٣٦ - وَلَسْتُ بِذِي فِيهِمُ وَلاَ مُنْمِشٍ منهم مُنْمِلِ
ويقال أيضاً : نَمِل يَنْمِلُ، فهو نَمِلٌ ونَمَّالٌ، وتَنَمَّلَ القومُ : تفرقوا للجميع تفرُّق النمل، وفي المثل :« أجْمَعُ مِنْ نَمْلَةٍ » والنَّمْلةُ أيضاً : قرحةٌ تخرج في الجنب، تشبيهاً بها في الهيئة، والنملة أيضاً شقٌّ في الحافر، ومنه : فرسٌ منمول القوائم، والأنْمُلة : طرف الإصبع من ذلك؛ لدقتها وسرعة حركتها، والجمع : أنامل.

فصل


قال كعب : كان سليمان إذا سار بعسكره حملته الريح تهوي بهم فسار من اصطخر إلى اليمن، فمرّ على مدينة الرسول - ﷺ -، فقال سليمان : هذه دار هجرة نبي الله في آخر الزمان، طوبى لمن آمن به، وطوبى لمن اتبعه، ورأى حول البيت أصناماً تعبد من دون الله، فلما جاوز سليمان البيت بكى فأوحى الله إلى البيت : ما يبكيك؟ قال : يا رب أبكاني أن هذا نبي من أنبيائك وقوم من أوليائك مروا عليّ فلم يهبطوا ولم يصلوا عندي والأصنام تعبد حولي من دونك، فأوحى الله إليه، لا تبك، فإني سوف أملأك وجوهاً سجداً، وأنزل فيك قرآناً جديداً، وأبعث منك في آخر الزمان أحب أنبيائي إليّ وأجعل فيك عماراً من خلقي يعبدونني، وأفرض على عبادي فريضة يزفون إيلك زفيف النسور إلى أوكارها، ويحنون إليك حنين الناقة إلى ولدها والحمامة إلى بيضها، وأطهرك من الأوثان وعبدة الشيطان، ثم مضى سليمان حتى مرّ بوادي السدير من الطائف، فأتى على وادي النمل، هكذا قال كعب إنه واد بالطائف، وقال مقاتل : إنه وادٍ بالشام كثير النمل، وقيل وادٍ كان يسكنه الجن، وأولئك النمل مراكبهم.


الصفحة التالية
Icon