٣٩٣٩ - فَمَهْمَا تَشَأْ مِنْهُ فَزَارَةُ تُعْطِكُمْ ومَهْمَا تَشَأْ مِنْهُ فَزَارَةُ تَمْنَعَا
قال سيبويه : وهو قليل في الشعر شبهوهُ بالنهي حيث كان مجزوماً غير واجب، قال : وأما تخريجه على البدل فلا يجوز، لأن مدلول « لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ » مخالف لمدلول « ادخُلُوا »، وأما قوله : لأنه بمعنى لا تكونوا حيث أنتم فيحطمنكم، فتفسير معنى لا إعراب، والبدل من صفة الألفاظ، نعم لو كان اللفظ القرآني : لا تكونوا بحيث لا يحطمنكم، لتُخُيِّل فيه البدل، لأن الأمر بدخول المساكين نهي عن كونهم بظاهر الأرض.
وأما قوله : إنه أراد لا يحطمنكم جنود سليمان إلى آخره، فيسوغ زيادة الأسماء، وهو لا يجوز، بل الظاهر إسناد الحطم إلى جنوده، وهو على حذف مضاف، أي : خيل سليمان وجنوده، إو نحو ذلك مما يصح تقديره، انتهى.
أما منعه كونه جواب الأمر من أجل النون، فقد سبقه إليه أبو البقاء، فقال : وهو ضعيف، لأن جواب الشرط لا يؤكد بالنون في الاختيار. وأما منعه البدل بما ذكر فلا نسلم تغاير المدلول بالنسبة لما يؤول إليه المعنى. وأما قوله : فيسوغ زيادة الأسماء فهو لم يسوغ ذلك، وإنما فسر المعنى - وعلى تقدير ذلك - فقد قيل به شائعاً. وجاء الخطاب في قولها « ادخلوا » كخطاب العقلاء لما عوملوا معاملتهم. وقرأ أُبَيّ :﴿ ادْخُلْنَ مَساكِنَكُنَّ لاَ يَحْطمنَّكُن ﴾ - بالنون الخفيفة - جاء به على الأصل. وقرأ شهر به حوشب :« مَسْكَنَكم » بالإفراد وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة وعيسى الهمداني بضم الياء وفتح الحاء وتشديد الطاء والنون مضارع حطمه بالتشديد. وقرأ الحسن أيضاً قراءتان : فتح الياء وتشديد الطاء مع سكون الحاء وكسرها والأصل : يَحطمَنَّكُمْ، فأدغم وإسكان الحاء مشكل تقدم نظيره في « لا يَهديِّي » ونحوه، وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب وأبو عمرو في رواية بسكون نون التوكيد. والحطم : الكسرُ، يقال منه : حطمتهُ، ثم استعمل لكل كسر معناه، والحطام : ما تكسر يبساً وغلب على الأشياء التافهة، والحُطَم : السائق السريع، كأنه يحطم الإبل، قال :
٣٩٤٠ - قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بسواقٍ حَطَمْ لَيْسَ برَاعِي إبِلٍ وَلاَ غَنَمْ
ولا بِجَزَّارٍ ظَهْرٍ وَضَمْ
والحُطَمَة : من دركات النار، ورجل حُطَمَةٌ للأكول، تشبيهاً لبطنه بالنار، كقوله :
٣٩٤١ - كَأَنَّمَا فَي جَوْفِهِ تَنُّورُ... وقوله :« وهُمْ لا يشعُرُونَ » جملة حالية.

فصل


قال الشعبي : كانت تلك النملة ذات جناحين، فنادت ﴿ ياأيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ ﴾، ولم تقل : ادخلن، لأنها لما جعلت لهم قولاً كالآدميين خوطبوا بخطاب الآدميين، « لاَ يَحْطِمَنَّكُنمْ » لا يكسرنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، فسمع سليمان قولها، وكان لا يتكلم خلق إلا حملت الريح ذلك فألقته في مسامع سليمان. فإن قيل : كيف يتصور الحطم من سليمان وجنوده، وكانت الريح تحمل سليمان وجنوده على بساط بين السماء والأرض؟ قيل : كانت جنوده ركباناً وفيهم مشاة على الأرض تطوى بهم، وقيل يحتمل أن يكون هذا قبل تسخير الله الريح لسليمان.


الصفحة التالية
Icon