فصل
قال المفسرون : معنى الآية : ما للهدهد لا أراه، تقول العرب : مالي أراك كثيباً؟ فقال : ما لي لا أرى الهدهد، على تقدير أنه مع جنوده وهو لا يراه، ثم أدركه الشك في غيبته فقال : أم كان من الغائبين، يعني أكان من الغائبين؟ والميم صلة، وقيل : أم بمعنى بل، ثم أوعد على غيبته، فقال :﴿ لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً ﴾، فقيل : بنتف ريشه ووضعه لهوام الأرض، وقيل : بحبسه في القفص، وقيل : بأن يفرق بينه وبين إلفه، وقيل : بحبسه مع ضده، ﴿ أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ حُجَّة ظاهرة.
قوله :« فَمَكَثَ » قرأ عاصم بفتح الكاف، والباقون بضمها، وهما لغتان، إلا أن الفتح أشهر، ولذلك جاءت الصفة على ماكث، دون كيث، واعتذر عنه بأن فاعلاً قد جاء لفَعُل بالضم، نحو : حَمُضَ فهو حامض، وخَثُر فهو خاثر، وفَرُهَ فهو فاره.
قوله :« غَيْرَ بعِيدٍ »، يجوز أن يكون صفة للمصدر، أي مكثراً غير بعيد، وللزمان أي : زماناً غير بعيد، وللمكان أي : مكاناً غير بعيد، والظاهر أن الضمير في مكث للهدهد، وقيل : لسليمان - عليه السلام - فقال :﴿ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ﴾، والإحاطة : العلم بالشيء من جميع جهاته، يقول : علمت ما لم تعلم، وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا جنودك.
قوله :« مِنْ سَبَأ »، قرأ البزِّيّ، وأبو عمرو بفتح الهمزة، جعلاه اسماً للقبيلة أو البقعة، فمنعاه من الصرف للعلمية والتأنيث، وعليه قوله :
٣٩٤٦ - مِنْ سَبَأَ الحَاضِرِينَ مَأْربَ إِذْ | يَبْنُونَ مِنْ دُون سَيْلِهِ العَرِمَا |
٣٩٤٧ - الوَارِدُونَ وَتَيْمٌ فِي ذُرَى سَبَأٍ | قَدْ عَضَّ أَعْنَاقَهُمْ جِلْدُ الجَوَامِيسِ |
وفي قوله :﴿ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ ﴾ فيه من البديع التجانس، وهو : تجنيس التصريف، وهو عبارة عن انفراد كل كلمة من الكلمتين عن الأخرى بحرف كهذه الآية، ومثله :﴿ تَفْرَحُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ ﴾ [ غافر : ٧٥ ].
وفي الحديث :« الخَيْلُ مَعْقُود بِنَواصِيهَا الخَيْرُ »، وقال آخر :
٣٩٤٨ - لِلَّهِ مَا صَنَعَتْ بِنَا | تِلْكَ المَعَاجِرُ وَالمَحَاجِرْ |