وقيل : مرادهم بقولهم :﴿ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ تصغير لبثهم وتحقيره بالإضافة إلى ما وقعوا فيه من العذاب. وقيل : أرادوا أن لبثهم في الدنيا يوماً أو بعض يوم من أيام الآخرة، لأن يوم القيامة مقداره خمسين ألف سنة.

فصل


اختلفوا في أنّ السؤال عن أيّ لبث؟ فقيل عن لبثهم أحياء في الدنيا، فأجابوا بأَنّ قدر لبثهم كان يسيراً بناء على أنّ الله أعلمهم أنَّ الدنيا متاع قليل وأن الآخرة هي دار القرار.
وقيل : المراد اللبث في حال الموت، لأنَّ قوله :« فِي الأَرْضِ » يفيد الكَوْن في الأَرض أي : في القبر، والحيّ إِنّما يقال فيه أنّه على الأرض. وهذا ضعيف لقوله :﴿ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض ﴾ [ الأعراف : ٥٦ ]، واستدلوا أيضاً بقوله :﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُقْسِمُ المجرمون مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ ﴾ [ الروم : ٥٥ ] ثم قالوا :« فَاسْأَلِ العَادِّينَ » أي : الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم ويُحْصُونها عليهم، وهذا قول عكرمة. وقيل الملائكة الذين يعدّون أيام الدنيا. وقيل : المعنى سَلْ من يعرف عدد ذلك فإنّا نسيناه. وقُرئ « العَادِينَ » بالتخفيف، وهي قراءة الحسن والكسائي في رواية جمع ( عَادِي ) اسم فاعل من ( عَدَا ) أي : الظلمة فإنّهم يقولون مثل ما قلنا.
وقيل : العَادين : القدماء المعمرين، فإنّهم سيقصرونها. قال أبو البقاء : كقولك : هذا بئر عَاديَة، أي؛ سل من تقدّمنا، وحذف إحدى ياءي النسب كما قَالُوا : الأشعرون، وحُذفت الأخرى لالتقاء الساكنين. قال شهاب الدين : المحذوف أَوّلاً الياء الثانية؛ لأنّها المتحركة وبحذفها يلتقي ساكنان. ويؤيد ما ذكره أبو البقاء ما نقله الزمخشري قال : وقُرئ ( العَادِيين أي : القدماء المعمرين، فإنهم يستقصرُونَها، فكيف بِمَن دُونهم؟ قال ابن خالويه : ولغة أخرى العَادِيّين يعني : بياء مشددة جمع عَادِيّة بمعنى القدماء ).

فصل


احتجّ من أنكر عذاب القبر بهذه الآية فقال : قوله :﴿ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض ﴾ يتناول زمان كونهم أحياء فوق الأرض، وزمان كونهم أمواتاً في بطن الأرض، فلو كانُوا معذبين في القبر لعلموا أنَّ مدة مكثهم في الأرض طويلة، فلم يقولوا :﴿ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾.
والجواب من وجهين :
الأول : أنّ الجواب لا بُدّ وأن يكون بحسب السؤال، وإنّما سألوا عن موتٍ لا حياةَ بعده إلاّ في الآخرة، وذلك لا يكون إلاّ بعد عذاب القبر.
والثاني : يحتمل أن يكونُوا سألوا عن قدر اللبث الذي اجتمعوا فيه، فلا مدخل في تقدّم موت بعضهم على بعض فيصح أن يكون جوابهم ﴿ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ عند أنفسنا.
قوله :« إِنْ لَبِثْتُم » أي : ما لبثتم « إِلاَّ قَلِيلاً »، وكأنه قيل لهم : صدقتم ما لبثتم فيها إِلاّ قليلاً، لأنها في مقابلة أيام الآخرة.
قوله :« لَوْ أَنَّكُمْ » جوابها محذوف تقديره : لو كنتم تعلمون مقدار لبثكم من الطول لمَا أجبتم بهذه المدة.


الصفحة التالية
Icon