وانتصب « قليلاً » ( على النعت ) لزمن محذوف ( أو لمصدر محذوف ) أي : إلاّ زمناً قليلاً، أو إِلاّ لُبْثاً قليلاً.
قوله تعالى :﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً ﴾ الآية في نصب ( عَبَثاً ) وجهان :
أحدهما : أنّه مصدر واقع موقع الحال أي : عابثين.
والثاني : أنه مفعول من أجله أي : لأجل العبث. والعَبَث : اللعب، وما لا فائدة فيه، أي : لتعبثوا وتلعبوا، كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب، وكل ما ليس له غرض صحيح. يقال : عَبَثَ يَعْبِثُ عَبثاً إذا خلط عليه بلعب، وأصله من قولهم عبثت الأَقِط، أي : خلطته، والعَبِيث : طعام مخلوط بشيء، ومنه العَوْبَثَانِي لتمر وسُوَيْق وسمن مختلط. قوله :« وَأَنَّكُمْ » يجوز أن يكون معطوفاً على ( أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ ) لكون الحسبان منسحباً عليه وأن يكون معطوفاً على ( عَبَثاً ) إذا كان مفعولاً من أجله.
قال الزمخشري : ويجوز أن يكون معطوفاً على ( عَبَثاً ) أي : للعبث ولترككم غير مرجوعين وقُدّم « إِلَيْنَا » على ( تُرْجَعُونَ ) لأجل الفواصل.
قوله :« لاَ تُرْجَعُونَ » هو خبر « أَنَّكُمْ »، وقرأ الأخوان « تَرْجِعُونَ » مبنياً للفاعل، والباقون مبنياً للمفعول. وقد تقدّم أن ( رجع ) يكون لازماً ومتعدياً. وقيل : لا يكون إلا متعدّياً، والمفعول محذوف.
فصل
لما شرح صفات القيامة استدل على وجودها بأنّه لولا القيامة لما تميّز المُطيع عن العاصي، والصديق عن الزنديق، وحينئذ يكون هذا العالم عَبَثاً، وهو كقوله :﴿ أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى ﴾ [ القيامة : ٣٦ ]. والمعنى : أَنَّما خلقتم للعبادة وإقامة أوامر الله عزَّ وجلَّ.
« رُوي أن رجلاً مُصاباً مُرَّ به على ابن مسعود فَرَقَاهُ في أذنيه ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ﴾ حتى ختمها، فَبَرأ، ( فقال رسول الله ﷺ بماذا رقيته في أذنه فأخبره ) فقال رسول الله ﷺ :» والذي نفسي بيده لو أنّ رجلاً موقناً قرأها على جبل لَزَال « ثم نَزّه نفسه عما يصفه به المشركون فقال :﴿ فَتَعَالَى الله الملك الحق ﴾، والمَلِكُ : هو المالك للأشياء الذي لا يزول ملكه وقدرته، والحَقّ : هو الذي يحق له الملك، لأنّ كل شيء منه وإليه، والثابت الذي لا يزول ملكه.
﴿ لاَ إله إِلاَّ هُوَ رَبُّ العرش الكريم ﴾ قرأ العامة » الكريم « مجروراً نعتاً للعرش، وُصف بذلك لتنزُّل الخيرات منه والبركات والرحمة. أو لِنسْبته إلى أكرم الأكرمين، كما يُقال : بَيْتٌ كَريم إذا كان ساكنوه كراماً. وقرأ أبو جعفر وابن محيصن وإسماعيل عن ابن كثير وأبان بن تغلب بالرفع وفيه وجهان :
أحدهما : أنّه نعت للعرش أيضاً، ولكنه قطع عن إعرابه لأجل المدح على خبر مبتدأ مضمر. وهذا جيّد لتوافق القراءتين في المعنى.
والثاني : أنه نعت ل ( رَبّ ).
فصل
قال المفسرون : العرش السرير الحسن. وقيل : المرتفع. وقال أبو مسلم : العرش هنا السموات بما فيها من العرش الذي تطوف به الملائكة، ويجوز أن يُراد به الملك العظيم.