ورأيتُ في التوراة في البشارة بإسماعيل بعد قوله :« وأكبره وأنميه بماد ماد » ومعناه بحد جدلها بل اشار بها إلى اسم محمد - ﷺ -، بطريق الحمل، إذ هو اثنان وتسعون في الموضعين، وفي قصة يعقوبإذ قال لبنيه ﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي ﴾ [ البقرة : ١٣٣ ]، فقالوا له : أعلم إسرائيل ( الله أحد ) فطابت نفسه، وعلم أن بنيه الاثني عشر سبطاً يعبدون الله وحده، لأنّهم عَدَلُوا عن قولهم :« اللَّه واحدٌ » إلى قولهم :« اللَّهُ أَحَدٌ »، إذ جملها ثلاثة عشر، وهي إشارة إلى أنّ الاثني عشر سبطاً يعبدون الله الواحد. وفيه أنّ المصلّي إذا دخل في الصلاة تكون على رأسه طيلسان يسمى :« صيصيت »، وفي طرفه خمسة خيوط وثمان عقد ليجتمع له من جمع صيصت وهو ستمائة ومن خمسة خيوط وثمان عقد ثلاثة عشر لتتمة ما عليهم من الفرائض، وهي ستمائة، وثلاث عشرة فريضة، ليذكورا بها ما كتب الله عليهم من الفرائض، والتزموا ( بها ). ولنرجع إلى الإعراب والتفسير.
قوله :« أَلاَّ تَعْلوا » فيه أوجه :
أحدها : أن « أَنْ » مفسرة كما تقدم في أحد الأوجه في « أَنْ » قبلها في قراءة عكرمة، ولم يذكر الزمخشري غيره، وهو وجه حسن، لما في ذلك من المشاكلة، وهو عطف الأمر عليه، وهو قوله :« وَأْتُونِي ».
الثاني : أنها مصدرية في محل رفع بدلاً من « كِتَاب »، كأنّه قيل : ألقي إليَّ أن لا تعلُوا عَلَيَّ.
الثالث : أنها في موضع رفع على خبر ابتداء مضمر، أي هو أن لا تعلوا.
الرابع : أنها على إسقاط الخافض، أي : بأن لا تعلوا، فيجيء في موضعها القولان المشهوران.
والظاهر أن « لا » في هذه الأوجه الثلاثة للنهي، وقد تقدّم أن « أَنْ » المصدرية توصل بالمتصرف مطلقاً. وقال أبو حيان : و « أَنْ » في قوله :﴿ أَن لاَّ تَعْلُواْ ﴾ في موضع رفع على البدل من « كتاب »، وقيل في موضع نصب على :﴿ بأَنْ لاَّ تَعْلُوا ﴾، وعلى هذين التقديرين تكون « أن » ناصبة للفعل. فظاهر هذا أنّها نافية، إذ لا يتوصر أن تكون ناهية بعد « أن » الناصبة للمضارع، ويؤيّد هذا ما حكاه عن الزمخشري، فإنّه قال : وقال الزمخشري : و « أن » في أن لا تَعْلُوا مفسرة، قال : فَعَلَى هذا تكون « لا » في :« لاَ تَعْلُوا » للنهي، وهو حسن لمشاكلة عطف الأمر عليه فقوله :« فعلى هذا » : إلى آخره صريح بأنّها على غير هذا يعني الوجهين المتقدمين ليس للنهي فيهما، ثم القول بأنّها للنفي لا يظهر، إذ يصير المعنى - على الإخبار منه عليه السلام - بأنّهم لا يعلون عليه، وليس هذا مقصوداً، وإنّما المقصود أن ينهاهم عن ذلك.


الصفحة التالية
Icon