ثم قال أبو حيان : والتقييد بالحال ليس إلا من باب نسبة التقييد، لا من نسبة الكلام التي هي الإسناد، فإذا أطلق عليها الخبر كان ذلك على تقدير أنها لو لم تكن حالاً لجاز أن تستعمل خبراً، وكذلك قولهم في الجملة الواقعة صلة : هي خبرية، فهو مجاز والمعنى : أنها لو لم تكن صلة لجاز أن تسعتمل خبراً، وهذا فيه عوض.
قال شهاب الدين : مسلم أن الجملة ما دامت حالاً أو صلة لا يقال لها خبرية، بمعنى أنها تستقلّ بإفادة الإسناد، لأنها سيقت مساق القيد في الحال ومساق حد كلمة في الصلة، وكان ينبغي أن يذكر أيضاً الجملة الواقعة صفة، فإن الحكم فيها كذلك، ثم قال : وأما إضمار « قد » فلا يحتاج إليه، لكثرة وقوع الماضي حالاً دون « قد »، كثرة ينبغي القياس عليها.
قال شهاب الدين : الزمخشري مَشَى مع الجمهور فإنّ مذهبهم أنه لا بدَّ من « قد » ظاهرةً أو مضمرةً لتقرّبه من الحال. وقرأ ابن أبي ليلى :« تَقَسَّمُوا » - دون ألف مع تشديد السين - والتَّقاسم والتقسُّم كالتَّظاهر والتَّظَهُّر.
قوله :« بِاللَّهِ » إن جعلت « تَقَاسَمُوا » أمراً، تعلق به الجار قولاً واحداً، وإن جعلته ماضياً احتمل أن يتعلق به، ولا يكون داخلاً تحت القول، والمقول هو « لنُبَيِّتنَّهُ » ( إلى آخره، واحتمل ان يتعلق بمحذوف هو فعل القسم، وجوابه :« لنُبَيِّتَنَّهُ » فعلى هذا يكون ما بعده داخلاً تحت المقول.
قوله :« لنُبيِّتَنَّهُ » ) قرأ الأخوان بتاء الخطاب المضمومة وضم التاء، والباقون بنون المتكلم وفتح التاء. « ثُمَّ لَنَقُولَنَّ » : قرأ الأخوان بتاء الخطاب المضمومة وضم اللام والباقون بنون المتكلم وفتح اللام، ومجاهد وابن وثاب والأعمش كقراءة الأخوين. ( إلا أنّه بياء الغيبة في الفعلين، وحميد بن قيس كهذه القراءة في الأول، وقراءة غير الأخوين ) من السبعة في الثاني. فأمَّا قراءة الأخوين فإن جعلنا « تقاسموا » فعل أمرٍ، فالخطاب واضح، رجوعاً بآخر الكلام إلى أوله، وإن جعلناه ماضياً، أو أمراً فالأمر فيهما واضح وهو حكاية إخبارهم عن أنفسهم وأمّا قراءة الغيبة فيهما فظاهرةٌ على أن يكون « تَقَاسَمُوا » ماضياً رجوعاً بآخر الكلام إلى أوله في الغيبة، وإن جعلناه أمراً كان « لنُبَيَّتنهُ » جواباً لسؤال مقدر، كأنّه قيل : كيف تقاسموا؟ فقيل : لَنُبَيِّتَنَّه. وأما غيبة الأول والمتكلم في الثاني : فتعليله مأخوذ ممّا تقدّم في تعليل القراءتين، وقال الزمخشري : وقرىء « لتُبَيِّتنَّهُ » بالتاء والياء والنون، ف « تَقَاسَمُوا » مع التاء والنون يصح ( فيه الوجهان، يعني يصح ) في « تَقَاسَمُوا » أن يكون أمراً وأن يكون خبراً، قال : ومع الياء لا يصح إلاّ أن يكون خبراً.