قال شهاب الدين : وليس كذلك لما تقدّم من أنه يكون أمراً وتكون الغيبة فيما بعده جواباً لسؤال مقد. وقد تابع الزمخشريَّ أبو البقاء على ذلك فقال :« تَقَاسَمُوا » فيه وجهان :
أحدهما : هو أمرٌ أي : أمر بعضهم بذلك بعضاً، فعلى هذا يجوز في « لنُبَيِّتَنَّهُ » النون بتقدير : قولوا لنُبَيِّتَنَّهُ، والتاء على خطاب الأمر المأمور، ولا يجوز التاء.
والثاني : هو فعل ماض، وعلى هذا يجوز الأوجه الثلاثة. يعني بالأوجه : النون والتاء والياء، قال : وهو على هذا تفسير، أي : وتقاسموا على كونه ماضياً مفسّراً لنفس « قَالُوا » وقد سبقهما إلى ذلك مكي - رحمه الله - وتقدم توجيه ما منعوه ولله الحمد، وتنزيل هذه الأوجه بعضها على بعض مام يصعب استخراجه من كلام القوم، وتقدّم الكلام في « مَهْلِكَ أَهْلِهِ » في الكهف.
فصل
من جعله أمراً فموضع « تَقَاسَمُوا » جزم على الأمر، أي : احلفوا، ومن جعله فعلاً ماضياً فمحله نصب أي : تحالفوا وتوافقوا لنبيتّنه لنقتلنه، بياتاً أي : ليلاً، وأهله : أي : قومه الذين أسلموا معه، ﴿ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ﴾ : أي لولي دمه، « مَا شَهِدْنَا » ما حضرنا، « مَهْلِكَ أَهْلَهِ » إهلاكهم، ولا ندري من قتله، ومن فتح الميم فمعناه : هلاك أهله، « وَإِنَّا لَصَادِقُونَ » : في قولنا ما شهدنا ذلك.
قوله :« وَمَكَرُوا مَكْرً » غدروا غدراً حين قصدوا تبييت صالح والفتك به، « وَمَكَرْنَا مَكْراً » جازيناهم على مكرهم بتعجيل عقوبتهم، « وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ » فشبّه إهلاكهم من حيث لا يشعرون بمكر الماكر على سبيل الاستعارة. وقيل : إنّ الله تعالى أخبر صالحاً بمكرهم فتحرز عنهم، فذلك مكر الله في حقهم.
قوله :﴿ فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ ﴾ : قرأ الكوفيون بفتح « أَنَّا »، والباقون بالكسر، فالفتح من أوجه :
أحدها : أن يكون على حذف الجر، لأنَّا دمّرناهم، و « كَانَ » تامّة، و « عَاقِبَةُ » فاعل بها، و « كَيْفَ » : حال.
الثاني : أن يكون بدلاً من « عَاقِبَةُ »، أي : كيف كان تدميرنا إيّاهم، بمعنى كيف حدث.
الثالثك أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي : هي أنَّا دمَّرناهم، أي : العاقبة تدميرنا إياهم، ويجوز مع هذه الأوجه الثلاثة أن تكون كان ناقصة، ويجعل « كَيْفَ » خبرها، فتصير الأوجه ستة، ثلاثة مع تمام « كَانَ » وثلاثة مع نقصانها، ونزيد مع الناقصة وجهاً آخر، وهو ان يجعل « عَاقِبَة » اسمها، و « أَنَّا دَمَّرناهُم » خبرها، و « كَيْفَ » : حال، فهذه سبعة أوجه، والثامن : أن تكون « كان » زائدة، و « عاقبة » مبتدأ، وخبره « كَيْفَ »، و « أَنَّا دَمَّرنَاهُم » بدل من « عاقبة » أو خبر مبتدأ مضمر، وفيه تعسُّف.