فقد رجح الانقطاع، واعتذر في ارتكاب مذهب التميميين بما ذكر، وأكثر العلماء أنه لا يجمع بين الحقيقة والمجاز في كلمة واحدة، وقد قال به الشافعي.

فصل


نزلت هذه الآية في المشركين، حيث سألوا رسول الله - ﷺ - عن وقت قيام الساعة. و « مَا يَشْعُرُون » صفة لأهل السموات والأرض نفى أن يكون لهم علم بالغيب، وذكر في جملة الغيب : متى البعث؛ بقوله :« أيَّانَ يُبْعَثُونَ »، و « أَيَّانَ » بمعنى متى، وهي كلمة مركبة من : أي والآن، وهو الوقت. وقرىء :« إيّان » بكسر الهمزة، قرأ بها السلمي، وهي لغة قومه بني سليم، وهي منصوبة ب « يُبْعَثُونَ » ومعلقة ل « يَشْعُرُونَ » فهي مع ما بعدها في محل نصب بإسقاط الباء، أي ما يشعرون بكذا.
قوله :« ادّارَكَ » قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو :« أَدْرَك » كأكرم، والباقون من السبعة « ادَّارَكَ » بهمزة وصل وتشديد الدال المفتوحة بعدها ألف - والأصل ( تدارك ) وبه قرأ أبي، فأريد إدغام التاء في الدال، فأبدلت دالاً وسكنت، فتعذر الابتداء بها، لسكونها، فاجتلبت همزة الوصل، فصار :« ادَّارك » كما ترى - وتقدم تحقيق هذا في قوله :﴿ فادارأتم فِيهَا ﴾ [ البقرة : ٧٢ ]. وقراءة ابن كيثير، قيل : يحتمل أن يكون « أفعل » فيها بمعنى « تفاعل »، فتتحد القراءتان، وقيل : ادرك، بمعنى بلغ وانتهى.
وقرأ سليمان وعطاء ابنا يسار :« بَل ادّرك » بفتح لام « بَلْ » وتشديد الدال دون ألف بعدها وتخريجها : أن الأصل :( ادْتَرَكَ ) على وزن افْتَعَل، فأبدلت تاء الافتعال دالاً، لوقوعها بعد الدال، قال أبو حيان : فصار فيه قلب الثاني للأول، كقولهم : أثَّرَدَ، وأصله : اثترد من الثرد، انتهى.
قال شهاب الدين : ليس هذا مما قلب فيه الثاني للأول لأجل الإدغام، كاثَّرَدَ في اثترد، لأن تاء الافتعال تبدل دالاً بعد أحرف منها الدال، نحو : ادَّانَ في افْتَعَلَ من الدين، فالإبدال لأجل كون الدال فاء لا للإدغام، فليس مثل اثَّرَدَ في شيء، فتأمله فإنه حسن، فلما أدغمت الدال في الدال أدخلت همزة الاستفهام، فسقطت همزة الوصل، فصار اللفظ، أَدْرَكَ يهمزة قطع مفتوحة، ثم نقلت حركة هذه الهمزة إلى لام « بَلْ » فصار اللفظ :« بَلْ دَّرَكَ ». وقرأ أبو رجاء وشيبة والأعمش والأعرج وابن عباس وتروى عن عاصم كذلك إلا أنه بكسر لام « بَلْ » على أصل التقاء الساكنين، فإنهم لم يأتوا بهمزة استفهام.


الصفحة التالية
Icon