وقرأ عبد الله بن عباس والحسن وابن محيصن « آدَّرَكَ » بهمزة ثم ألف بعدها، وأصلها همزتان أبدلت ثانيهما ألفاً تخفيفاً، وأنكرها أبو عمرو. وقد تقدم أول البقرة أنه قرىء « أَأَنْذَرْتَهُمْ » بألف صريحة - فلهذه بها أسوة.
وقال أبو حاتم : لا يجوز الاستفهام بعد « بَلْ »، ( لأن « بَلْ » ) إيجاب، والاستفهام في هذا الموضع إنكار بمعنى :« لَمْ يَكُنْ » كقوله تعالى :﴿ أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ ﴾ [ الزخرف : ١٩ ] أي : لم يشهدوا، فلا يصح وقوعهما معاً للتنافي الذي بين الإيجاب والإنكار. قال شهاب الدين : وفي منع هذا نظر، لأن « بَلْ » لإضراب الانتقال، فقد أضرب عن الكلام الأول، وأخذ في استفهام ثانٍ، وكيف ينكر هذا والنحويون يقدرون « أَمْ » المنقطعة ببل والهمزة، وعجبت من الشيخ - يعني أبا حيان - كيف قال هنا : وقد أجاز بعض المتأخرين الاستفهام بعد « بَلْ »، وشبهه بقول القائل : أَخُبْزاً أكَلْتَ بَلْ أَمَاءً شَرِبْتَ؟ على ترك الكلام الأول، والأخذ في الثاني انتهى. فتخصيصه ببعض المتأخرين يؤذن بأن المتقدّمين وبعض المتأخرين يمنعونه، وليس كذلك لما حكيت عنهم في « أم » بأن المتقدّمين وبعض المتأخرين يمنعونه، وليس كذلك لما حكيت عنهم في « أم » المنقطعة. وقرأ ابن مسعود :« أَأَدْرَكَ » بتحقيق الهمزتين، وقرأ ورش في رواية :« بَل ادْرَكَ » بالنقل، وقرأ ابن عباس أيضاً :« بَلَى أَدْرَكَ » بحرف الإيجاب أخت نعم، و « بَلَى آأدْرَكَ » بألف بين همزتين، وقرأ أبي ومجاهد « أن » بدل ( « بَلْ » ) وهي مخالفة للسواد.
قوله :« فِي الآخِرَةِ » فيه وجهان :
أحدهما : أن « فِي » على بابها و « أَدْرَكَ » وإن كان ماضياً لفظاً فهو مستقبل معنى، لأنه كائن قطعاً، كقوله :﴿ أتى أَمْرُ الله ﴾ [ النحل : ١ ]، وعلى هذا ف « فِي » متعلق ب « أدْرَكَ ».
والثاني : أنّ « فِي » بمعنى الباء، أي : بالآخرة، وعلى هذا فيتعلق بنفس علمهم، كقولك : على يزيد كذا. وأمّا قراءة من قرأ « بَلَى »، فقال الزمخشري : لمّا جاء ببلى بعد قوله :« وَمَا يَشْعُرُونَ » كان معناه : بلى يشعرون، ثم فسر الشعور بقوله :﴿ ادارك عِلْمُهُمْ فِي الآخرة ﴾ على سبيل التهكم الذي معناه المبالغة في نفي العلم، ثم قال : وأمّا قراءة :« بَلَى أأَدْرَكَ » على الاستفهام فمعناه : بَلَى يشعرون متى يبعثون، ثم أنكر علمهم بكونها، وإذا أنكر علمهم بكونها لم يتحصّل لهم شعور بوقت كونها، لأن العلم بوقت الكائن تابع للعلم بكون الكائن، ثم قال : فإن قلت ما معنى هذه الإضرابات الثلاثة؟ قلت : ما هي إلا تنزيل لأحوالهم، وصفهم أولاً بأنهم لا يشعرون وقت البعث، ثم بأنّهم لا يعلمون أن القيامة كائنة، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية انتهى.


الصفحة التالية
Icon