قوله :﴿ وَقَالَ الذين كفروا ﴾ يعني مشركي مكة، « أَئِذَا » تقدم الكلام في الاستفهامين إذا اجتمعا في سورة الرعد. والعامل في « إِذَا » محذوف يدلّ عليه « لَمُخْرجُونَ » تقديره : نبعث ونخرجن ولا يجوز أن يعمل فيها « مُخْرجُونَ » لثلاثة موانع : الاستفهام، وأنّ، ولام الابتداء، وفي لام الابتداء في خبر إنّ خلاف، وذكر الزمخشري هنا عبارة حُلوة، فقال : لأنّ بين يدي عمل اسم الفاعل فيها عقاباً، وهي همزة الاستفهام، وإن، ولام الابتداء، وواحدة منها كافية، فكيف إذا اجتمعن؟ وقال أيضاً : فإنْ قلت : لم قَدّم في هذه الآية « هذَا » على « نَحْنُ وآبَاؤُنَا » وفي آية أخرى قدّم « نَحْنُ وَآبَاؤُنَا » على « هَذَا » ؟ قلت : التقديم دليل على أن المقدّم هو المعنى المعتمد بالذكر وأن الكلام إنّما سيق لأجله : ففي إحدى الآيتين دلّ على اتخاذ البعث الذي هو يعمد بالكلام، وفي الأخرى على اتخاذ المبعوث بذلك الصدد. و « آبَاؤُنَا » عطف على اسم كان، وقام الفصل بالخبر قمام الفصل بالتوكيد.
فصل
« إِنَّا لَمُخْرَجُونَ » من قبورنا أحيا، ﴿ لَقَدْ وُعِدْنَا هذا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا مِن قَبْلُ ﴾ أي : من قبل محمد : وليس ذلك بشيء، « إِنْ هذَا » ما هذَا، ﴿ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين ﴾ أحاديثهم وأكاذيبهم التي كتبوها، ﴿ فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المجرمين ﴾. فإن قيل : لِمَ لَمْ يقل ( كيف كانت ) عاقبة المجرمين؟ فالجواب أنّ تأنيثها غير حقيقي، ولأنّ المعنى : كيف كان آخر أمرهم؟. فإن قيل : لِمَ لَمْ يقل عاقبة الكافرين؟ فالجواب : أنّ هذا يحصل في التخويف لكل العصاة. ثم إنّه تعالى صبّر رسوله - ﷺ - على ما يناله من الكفار، فقال :﴿ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ على تكذيبهم إيّاك، ﴿ وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ نزلت في المستهزئين الذين اقتسموا أعقاب مكة، و « الضِّيقُ » : الحرج، يقال : ضاق الشيء ضَيقاً وضِيقاً بالفتح والكسر. ﴿ وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ ذكروا ذلك على سبيل السخرية فأجاب الله تعالى بقوله :﴿ عسى أَن يَكُونَ رَدِفَ ﴾.
قوله :« رَدِفَ لَكُمْ » فيه أوجه :
أظهرها : أنَّ « رَدِفَ » ضُمّن معنى فعل يتعدى باللام، أي : دَنا وقرب وأزف، وبهذا فسّره ابن عباس، و « بَعْضُ الَّذِي » فاعلٌ به، وقد عدّي ب ( من ) أيضاً على تضمنه معنى « دَنَا »، قال :
٣٩٧٠ - فَلَمَّا رَدِفْنَا مِن عُمَيْرٍ وَصَحْبِهِ | تَوَلَّوْا سِرَاعاً وَالمَنِيَّةُ تَعْنِقُ |
والثاني : أنّ مفعوله محذوف واللام للعلّة : أي : ردف الخلق لأجلكم ولشؤمكم.
الثالث : أنّ اللام مزيدة في المفعول تأكيداً كزيادتها في قوله :
٣٩٧١ - أَنَخْنَا لِلْكَلاَكِلِ فَارْتَمَيْنَا...