قال قتادة : الأصم إذا ولّى مُدبراً ثم ناديته لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع ما يدعى إليه من الإيمان. والمعنى : إنهم لفرط إعراضهم عما يدعون إليه كالميّت الذي لا سبيل إلا إسماعه والأصم الذي لا يسمع. قوله :﴿ وَمَآ أَنتَ بِهَادِي العمي ﴾ العامة على « بِهَادِي » مضافاً ل « العُمْي »، وحمزة « تَهْدِي » فعلاً مضارعاً و « العُمْيَ » نصب على المفعول به. وكذلك التي في الروم. ويحيى بن الحارث وأبو حيوة « بِهَادِ » منوناً « العُمْيَى » منصوب به وهو الأصل. واتفق القراء على أن يقفوا على « هَادٍ » في هذه السورة بالياء، لأنها رُسمت في المصحف ثابتةً، واختلفوا في الروم، فوقف الأخوان عليها بالياء أيضاً كهذه، أما حمزة، فلأنه يقرأها « تَهْدِي » فعلاً مضارعاً مرفوعاً فياؤه ثابتة. قال الكسائي : من قرأ « تَهْدِي » لزمه أن يقف بالياء، وإنّما لزمه ذلك لأن الفعل لا يدخله تنوين في الوصل تحذف له الياء، فيكون في الوقف كذلك، كما يدخل التنوين على « هَادٍ » ونحوه، فتذهب الياء في الوصل، فيجري الوقف على ذلك لمن وقف بغير ياء انتهى. ويلزم على ذلك أن يوقف على « يقضي الحقّ » و ﴿ وَيَدْعُ الإنسان ﴾ [ الإسراء : ١١ ] بإثبات الياء والواو، ولكن يلزم حمزة مخالفة الرسم دون القياس، وأمّا الكسائي فإنه يقرأ « بِهَادِي » اسم فاعل كالجماعة، فإثباته للياء بالحمل على « هَادِي » في هذه السورة، وفيه مخالفة الرسم السلفي.
قوله :« عَنْ ضَلاَلَتِهِمْ » فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلق ب « تَهْدِي » وعدي ب ( عن ) لتضمنه معنى تصرفهم.
الثاني : أنه متعلق بالعمي، لأنك تقول : عمى عن كذا ذكره أبو البقاء.

فصل


المعنى : ما أنت بمرشد من أعماه الله عن الهدى وأعمى قلبه عن الإيمان أن يسمع ﴿ إلا من يؤمن بآياتنا ﴾ إلا من يصدق بالقرآن أنه من الله، « فَهُم مُسْلِمُونَ » مخلصون لله.
« مِنْ » في قوله :﴿ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ ﴾ [ البقرة : ١١٢ } يعني سالماً لله خالصاً لله.


الصفحة التالية