وقال وهب : وجهها وجه الرجل، وسائر خلقها خلق الطير فتخبر من رآها أن أهل مكة كانوا بمحمد والقرآن لا يوقنون. قوله :﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ﴾، أي من كل قرن جماعة. و ﴿ مِن كُلِّ أُمَّةٍ ﴾ يجوز أن يكون متعلقاً بالحشر، و « مِنْ » لابتداء الغاية، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من « فَوْجاً » لأنه يجوز أن يكون صفة له في الأصل، والفوج الجماعة كالقوم، وقيدهم الراغب فقال : الجماعة المارة المسرعة. وكأن هذا هو الأصل ثم انطلق، ولم يكن مرور ولا إسراع، والجمع. أفواج وفووج. و « مِمَّن يُكَذِّبُ » صفة له، و « مِنْ » في « مِنْ كُلِّ » تبعيضية، وفي « مِمَّن يُكَذِّبُ » تبيينية.
قوله :« فَهُمْ يُوزَعُونَ » أي يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا ثم يساقون إلى النار، ﴿ حتى إِذَا جَآءُوا ﴾ يوم القيامة، قَالَ لَهُمُ اللَّهُ :﴿ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً ﴾ ولم تعرفوها حتى معرفتها. والواو في « وَلَمْ تُحِيطُوا » يجوز أن تكون العاطفة وأن تكون الحالية، و « عِلْماً » تمييز. قوله :« أمَّاذَا » أم هنا منقطعة، وتقدم حكمها، و « مَاذَا » يجوز أن يكون برمته استفهاماً منصوباً ب « تَعْملون » الواقع خبراً عن « كُنْتُم »، وعائده محذوف، أي : أي شيء الذي كنتم تعملونه؟ وقرأ أبو حيوة « أمَا » بتخفيف الميم، جعل همزة الاستفهام داخلة على امسه تأكيداً كقوله :
٣٩٧٢ - أَهَلْ رَأَوْنَا بِوَادِي القُفِّ ذِي الأَكَمِ... قوله :﴿ أَمَّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ حين لم يتفكروا فيها، كأنه قال : ما لم تشتغلوا بذلك العمل المهم فأي شيء كنتم تعملونه بعد ذلك ثم قال :﴿ وَوَقَعَ القول عَلَيْهِم ﴾، أي : وجب العذاب الموعود عليهم « بِمَا ظَلَمُوا »، أي بسبب ظلمهم وتكذيبهم بآيات الله، ويضعف جعل « مَا » بمعنى الذي ﴿ فَهُمْ لاَ يُنطِقُونَ ﴾، قال قتادة، كيف ينطقون ولا حجة لهم، نظيره قوله تعالى :﴿ هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ [ المرسلات : ٣٥ - ٣٦ ]، وقيل :« لاَ يَنْطِقُونَ » لأن أفواههم مختومة. ثم إنه تعالى لما خوّفهم بأحوال القيامة ذكر كلاماً يصلح أن يكون دليلاً على التوحيد وعلى الحشر وعلى النبوة، مبالغة في الإرشاد إلى الإيمان والمنع من الكفر، فقال :﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا الليل لِيَسْكُنُواْ فِيهِ والنهار مُبْصِراً ﴾ مضيئاً يبصر فيه. قوله :« لِيَسْكُنُوا فِيهِ » قيل : فقيه حذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني، ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأول، إذا التقدير : جعلنا الليل و « لتتصرفوا » لدلالة « ليسكنوا ». وقوله :« مُبْصِراً » كقوله :﴿ آيَةَ النهار مُبْصِرَةً ﴾ [ الإسراء : ١٢ ]، وتقدم تحقيقه في الإسراء، قال الزمخشري : فإن قلت : ما للتقاليل لم يراع في قوله :« لِيَسْكُنُوا » و « مُبْصِرَةٌ » حيث كان أحدهما علة، والآخر حالاً؟ قلت : هو مراعى من حيث المعنى وهكذا النظم المطبوع غير المتكلف يريد لم لا قال : والنهار لتتصرفوا فيها، وأجاب غيره بأن السكون في الليل هو المقصود ( من الليل وأما الإبصار في النهار فليس هو المقصود ) لأنه وسيلة إلى جلب المنافع الدينية والدنيوية. ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ يصدقون فيعتبرون، وخص المؤمنين بالذكر - وإن كانت الأدلة للكل - لأن المؤمنين هم المنتفعون، كقوله :﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [ البقرة : ٢ ].


الصفحة التالية
Icon