قوله :﴿ وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى ﴾ وحي إلهام لا وحي نبوة، قال قتادة : قذفنا في قلبها، واسمها يوخابز، وقيل أيادخا، وقيل أيارخت قاله ابن كثير، بنت لاوي بن يعقوب، « أَنْ أَرْضِعِيْهِ » قيل : أرضعته ثمانية أشهر، وقيل أربعة أشهر، وقيل ثلاثة أشهر، كانت ترضعه في حجرها وهو لا يبكي ولا يتحرك. ﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ ﴾ يعني من الذبح، ﴿ فَأَلْقِيهِ فِي اليم ﴾، واليم البحر وأراد هنا النيل، ﴿ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تحزني ﴾ قيل : ولا تخافي عليه من الغرق وقيل : من الضيعة، « ولا تحزني » على فراقه، ف ﴿ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ ﴾ لتكوني أنت المرضعة ﴿ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين ﴾ إلى أهل مصر والشام. قال المفسرون : إنها لما خافت عليه من الذبح، وضعته في تابوت، وألقته في النيل ليلاً. قال ابن كثير : وقيل إنها ربطت التابوت في حبل وكانت دارها على حافة النيل، فكانت ترضعه، فإذا خشيت من أحد وضعته في ذلك التابوت، وأرسلته في البحر، وأمسكت طرف الحبل عندها، فإذا ذهبوا استرجعته إليها، وكان لفرعونَ قوابل معهم رجال يطوفون على الحوامل، فمن وضعت ذكراً ذبحوه، فأرسلت أم موسى التابوت يوماً. وذهلت عن ربطه فذهب مع النيل. وقال ابن عباس وغيره : وكان لفرعون يومئذ بنت لم يكن له ولد غيرها، وكانت من أكرم الناس عليه، وكان برص شديد، فقال له الأطباء : أيها الملك إنها لا تبرأ إلا من قبل البحر يؤخذ منه شبه الإنس، فيؤخذ من من ريقه فيلطخ به برصها، فتبرأ من ذلك، وذلك يوم كذا وساعة كذا من شهر كذا حين تشرق الشمس، فلما كان ذلك اليوم غدا فرعون من مجلس له كان على شفيرة النيل، ومعه آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف الصديق، وهي امرأة فرعون.
وقيل : كانت من بني إسرائيل من سبط موسى، وقيل : كانت عمته؛ حكاه الهسيلي؛ وأقبلت بنت فرعون في جواريها حتى جلست على شاطىء النيل، إذ أقبل النيل بتابوت تضربه الأمواج، فتعلق بجرة، فقال فرعون : ائتوني به، فابتدروا بالسفن من كل جانب فوضعوه بين يديه، فعالجوا فتحه، فلم يقدروا عليه، فنظرت آسية فرأت نوراً في جوف التابوت ولم يره غيرهان فعالجته ففتحته، فإذا هو بصبي صغير في مهده، وإذا نور بين عينيه، فألقى الله محبته في قلوب القوم، وعمتدت ابنة فرعون إلى ريقه، فلطخت به برصها، فبرأت، فقالت الغواة من قوم فرعون : إنَّا نظن أن هذا هو الذي نحذر منه، رُمِيَ في البحر فرقاً منك فاقتله، فهمّ فرعون قتله، فاستوهبته امرأة فرعون فترك قتله.
وقوله :﴿ فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ ﴾ أي : جواريه.
قوله :« لِيَكُونَ } في اللام الوجهان المشهوران : العلية المجازية بمعنى أن ذلك لما كانت نتيجة فعلهم وثمرته شبه بالداعي الذي يفعله الفاعل الفعل لأجله، أو الصيرورة.


الصفحة التالية
Icon