قوله ﴿ إني أَنَا الله ﴾ العامة على الكسر على إضمار القول، أو على تضمين النداء معناه، وقرىء بالفتح، وفيه إشكال، لأَنَّهُ إنْ جعلت « أَنْ » تفسيرية، وجب كسر « إنِّي » للاستئناف المفسر للنداء بماذا كان، وإن جعلتها مخففة لزم تقدير « أَنِّي » بمصدر، والمصدر مفرد، وضمير الشأن لا يفسر بمفرد، والذي ينبغي أن تُخرَّج عليه هذه القراءة أن تكون « أَنْ » تفسيرية و « أَنِّي » معمولة لفعل مضمر تقديره أَنْ موسى اعلم أَنِّي أنا الله، واعلم أنه تعالى قال في سورة النمل ﴿ نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النار وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ [ النمل : ٨ ] وقال ها هنا : نُودِي أَنِّي أنا اللَّه ربُّ العالمين، وقال في سورة طه ﴿ نُودِيَ ياموسى إني أَنَاْ رَبُّكَ ﴾ [ طه : ١١ - ١٢ ]، ولا منافاة بين هذه الأشياء، فهو تعالى ذكر الكلّ إلا أنه تعالى حكى في كل سورة بعض ما اشتمل عليه بعض ذلك النداء.
قوله :﴿ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ﴾ تقدم الكلام على ذلك.
وقوله :﴿ اسلك يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء ﴾ فقد عبّر عن هذا المعنى بثلاث عبارات : إحداها هذه، وثانيها ﴿ واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ ﴾، وثالثها ﴿ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ ﴾ [ النمل : ١٢ ] قوله « مِنَ الرَّهْبِ » متعلق بأحد أربعة أشياء، إمّا ب « وَلَّى »، وإمَّا ب « مُدْبراً »، وإمَّا ب « اضمم »، ويظهر هذا الثالث إذا فسَّرنا الرَّهب بالكمِّ، وإمّا بمحذوف أي : تسكن من الرهب وقرأ حفص بفتح الراء وإسكان الهاء. والأخوان وابن عامر وأبو بكر بالضم والإسكان، والباقون بفتحتين، والحسن وعيسى والجحدري وقتادة بضمتين وكلها لغات بمعنى الخوف وقيل هو بفتحتين الكُمُّ بلغة حمير وحنيفة، قال الزمخشري « هُومن بدِع التفاسير » قال : وليست شعري كيف صحته في اللغة، وهل سُمِعَ من الثقات الأثبات التي تُرْتَضى عربيتهم، أم ليت شعري كيف موقعه في الآية، وكيف تطبيقه المفضل كسائر كلمات التنزيل، على أن موسى صلوات الله عليه ليلة المناجاة ما كان عليه إلاَّ زُرْمانِقَة من صُوفٍ لا كُمّ لها.
الزُّرمانقة : المدرعةُ. قال أبو حيان : هذا مروي عن الأصمعي، وهو ثقة، سمعتهم يقولون أعطني ما في رهبك أي كُمِّكَ، وأما قوله : كيف موقعه؟ فقالوا : معناه : أخرج يدكّ من كُمِّكَ.
قال سهاب الدين : كيف يستقيم هذا التفسير، يُفَسِّرُون « اضْمُمْ » بمعنى أَخْرِج.
وقال الزمخشري : فإن قُلْتَ : قد جعل الجناح وهو اليَدُ في أحد الموضعين مضموماً، وفي الآخر مضموماً إليه، وذلك قوله :﴿ واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ ﴾ وقوله ﴿ واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ ﴾ [ طه : ٢٢ ] فما التوفيق بينهما؟ قلت : المراد بالجناح المضموم : هو اليد اليمنى، وبالجناح المضموم إليه هو اليد اليسرى، وكل واحدة من يمنى اليدين ويسراهما جناح.
فصل
قال الزمشخري : في ﴿ واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب ﴾ معنيان :
أحدهما : أنّ موسى عليه السلام لمَّا قلب الله له العصا حيَّةً فزع واضطر واتقاها بيده كما يفعل الخائف من الشيء، فقيل له : إنَّ اتقاءك بيدك فيه غضاضة عند الأعداء فإذا ألقيتنا وقد انقلبت حية فأدخل يدك مكان اتقائك بها، ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران : اجتناب ما منه غضاضة عليك، وإظهار معجزة أخرى، والمراد بالجناح اليد، لأن يد الإنسان بمنزلة جناح الطائر، وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضد اليسرى، فقد ضم جناحه إليه.