ومعنى دعوتهم إلى النار : دعوتهم إلى موجباتها من الكفر والمعاصي، فإن أحداً لا يدعو إلى النار ألبتة، وإنما جعلهم الله أئمةً في هذا الباب، لأنهم بلغوا في هذا الباب إلى أقصى النهايات ومن كان كذلك استحق أن يكون إماماً يقتدى به في ذلك الباب.
قوله :﴿ وَيَوْمَ القيامة لاَ يُنصَرُونَ ﴾ لا يمنعون من العذاب، كما تنصر الأئمة الدعاة إلى الجنة، ﴿ وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ الدنيا لَعْنَةً ﴾ خزياً وعذاباً.
قوله :« وَيَوْمَ القِيَامَةِ » فيه أوجه :
أحدها : أن تتعلق ب « المَقْبُوحِينَ » على أن ( أل ) ليست موصولة أو موصولة واتسَّع فيه، وأن تتعلق بمحذوف يفسره « المَقْبُوحِينَ »، كأنه قيل :« وقبِّحُوا يوم القيامة، نحو :﴿ لِعَمَلِكُمْ مِّنَ القالين ﴾ [ الشعراء : ١٦٨ ]، أو يعطف على موضع » في الدُّنْيَا «، أي : أتبعناهم لعنة يوم القيامة. أو معطوفة على » لَعْنَة « على حذف مضاف، أي : ولعنتةً يوم القيامة.
والوجه الثاني أظهرهما : والمَقْبُوحُ، المطرود قبحه الله : طرده، قال :
وسُمِّي ضد الحسن قبحاً لأنَّ العين تنبو عنه، فكأنها تطرده، يقال : قبح قباحةً، وقيل :» مِنْ المَقْبُوحِينَ « : من الموسومين بعلامة منكرة، كزرقة العيون وسواد الوجوه، قاله ابن عباس، يقال : قَبَحَهُ الله وقَبَّحَه، إذا جعله قبيحاً، قال الليث : قَبَحَهُ المرفق، وقال أبو عبيدة :» مِنَ المَقْبُوحِينَ « من المهلكين.٤٠٠٦ - أَلاَ قَبَّحَ اللَّهُ الَراجِمَ كُلَّهَا وَجَدَّعَ يَرْبُوعاً وَعَفَّرَ دَارِمَا
قوله :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا القرون الأولى ﴾ قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم والمراد بالكتاب : التوراة، بيَّن تعالى أنَّ الذي يجب التمسك به ما جاء به موسى، ووصفه بأنه بصائر للنَّاس من حيث يستبصر به في باب الدين.
قوله :» بَصَائر « يجوز أن يكون مفعولاً له، وأن يكون حالاً إما على حذف مضاف أي : ذا بصائر، أو على المبالغة، و » هُدًى « من حيث يستدل به، ومن حيث أن المتمسك به يفوز بطلبته من الثواب، ووصفه بأنه » رَحْمَةً، لأنه من نعم الله على من تعبد به.
روى أبو سعيد الخدري « عن النبي - ﷺ - أنه قال : ما أهلك الله قرناً من القرون بعذاب من السماء ولا من الأرض منذ أنزل التوراة غير أهل القرية التي مسخها الله قردةً » وقوله « لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ » بما فيه من المواعظ والبصائر.