قوله :﴿ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي ﴾ ( قال قتادة والسدي : وما كنت بجانب الجبل الغربي ) فيكون من حذف الموصوف، وإقامة صفته قيامه أو أن يكون من إضافة الموصوف لصفته، وهو مذهب الكوفيين، ومثله : بَقْلَةُ الحَمْقَاءِ، وَمَسْجِدُ الجَامِع.
قوله :﴿ إِذْ قَضَيْنَآ إلى مُوسَى الأمر ﴾ أي : عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وقومه، والمعنى : وما كنت الحاضر المكان الذي أوحينا فيه إلى موسى ولا كنت من جملة الشاهدين للوحي إليه أو على الوحي إليه وهم نقباؤه الذي اختارهم للميقات. فإن قيل : لمَّا قال :﴿ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي ﴾ ثبت أنه لم يكن شاهداً، لأن الشاهد لا بد وأن يكون حاضراً فما الفائدة في إعادة قوله :﴿ وَمَا كنتَ مِنَ الشاهدين ﴾.
فالجواب : قال ابن عباس التقدير لم تحضر ذلك الموضع ولو حضرت ما شاهدت تلك الوقائع، فإنه يجوز أن يكون هناك، ولا يشهد ولا يرى.
قوله :﴿ وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً ﴾ وجه الاستدراك أن المعنى : وَمَا كُنْتَ شَاهِداً لموسى وما جرى عليه ولكِنَّا أوحيناه إليك، فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة الفترة ودل به على المسبب على عادة الله في اختصاراته، فإن هذا الاستدراك هو شبيه بالاستداركين بعده، قاله الزمخشري، وهذا تنبيه على المعجز، كأنه قال : إن في إخبارك بهذه الأشياء من غير حضور ولا مشاهدة ولا تعلم من أهله دلالةً ظاهرةً على نبوتك كقوله :﴿ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصحف الأولى ﴾ [ طه : ١٣٣ ] ؟
قوله :﴿ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً ﴾ أي : مقيماً، يقال : ثَوَى يَثْوِي ثَوَاءً وثُوِياً، فهو ثاوٍ ومثويّ، قال ذو الرمة.

٤٠٠٧ - لَقَدْ كَانَ في حَوْلٍ ثَوَاءٍ ثَوَيْتُه تَقَضِّي لُبَانَاتٍ وَيَسْأْمُ سائِمُ
وقال :
٤٠٠٨ - طَالَ الثَّوَاءُ عَلَى رَسُولِ المَنْزِلِ... وقال العجاج :
٤٠٠٩ - وَبَاتَ حَيْثُ يَدْخُلُ الثَّوِيُّ يعني الضيف المقيم.
قوله :« تَتْلُوا » يجوز أن يكون حالاً من الضمير في « ثَاوِياً »، وأن يكون خبراً ثانياً، وأن يكون هو الخبر، و « ثَاوِياً » حال وجعله الفراء منقطاً مما قبله. أي : مستأنفاً كأنَّه قيل : وها أنت تتلو على أمَّتك، وفيه بعد.

فصل


المعنى :﴿ وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً ﴾ خلقنا أمماً من بعد موسى ﴿ فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ العمر ﴾ أي : طالبت عليهم المهملة، فنسوا عهد الله وتركوا أمره، وذلك أن الله عهد إلى موسى وقومه عوداً في محمد - ﷺ - والإيمان به، فلما طال عليهم العمر وخلقت القرون من بعد القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء بها، « وَمَا كُنْتَ » مقيماً ﴿ في أَهْلِ مَدْيَنَ ﴾ كمقام موسى وشعيب فيهم ﴿ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ﴾ تذكرهم بالوعد والوعيد.
قال مقاتل : يقول لم شتهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم ﴿ وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴾ في كل زمان رسولاً يعني : أرسلناك رسولاً، وأنزلنا عليك كتاباً فيه هذه الأخبار فتتلوها عليهم ولولا ذلك ما علمتها، ولم تخبرهم بها، ﴿ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور ﴾ بناحية الجبل الذي كلَّم الله عليه موسى « إذْ نَادَيْنَا » أي : نادينا موسى : خذ الكتاب بقوَّةٍ.


الصفحة التالية
Icon