قوله :﴿ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ القول ﴾ العامة على تشديد « وَصّلْنَا » إما من الوصل ضد القطع أي : تابعنا بعضه ببعض. قال الفراء : أنزلنا آيات القرآن يتبع بعضها بعضاً، وأصله من وصل الحبل، قال :
٤٠١٢ - فَقُلْ لِبَنِي مَرْوَانَ ما بَالُ ذِمَّتِي | بِحَبْلٍ ضَعيفٍ لاَ يَزَالُ يُوصَّلُ |
قوله :« الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ » مبتدأ و « هُمْ » مبتدأ ثان و « يُؤْمِنُونَ » خبره، والجملة خبر الأول، و « بِهِ » متعلق ب « يُؤْمِنُونَ »، وقد يُعَكِّرُ على الزمخشري وغيره من أهل البيان، حيث قالوا : التقديم يفيد الاختصاص وهنا لا يتأتى ذلك، لأنهم لم خصُّوا إيمانهم بهذا الكتاب فقط لزم كفرهم بما عداه وهو عكس المراد وقد أبدى أهل البيان هذا في قوله :﴿ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ﴾ [ الملك : ٢٩ ] فقالوا : لو قدِّم « به » لأوهم الاختصاص بالإيمان بالله وحده دون ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهذا بعينه جارٍ هنا، والجواب : أن الإيمان بغيره معلوم فانصبَّ الغرض إلى الإيمان بهذا.
فصل
قوله :﴿ الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب مِن قَبْلِهِ ﴾ أي من قبل محمد - ﷺ - وقيل : من قبل القرآن ﴿ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾، قال قتادة : نزلت في ( أناسٍ من ) أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه. وقال مقاتل : هم أصحاب السفينة الذين قدموا من الحبشة أربعين رجلاً من أهل الإنجيل وآمنوا بمحمد - ﷺ -.
قال سعيد بن جبير : قدموا مع جعفر من الحبشة على النبي صلى الله الله عليه وسلم لما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة قالوا : يا نبيَّ الله إن لنا أموالاً فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها، فأذن لهم فانصرفوا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين فنزل فيهم ﴿ الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب ﴾ إلى قوله :﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾، وعن ابن عباس قال : نزلت في ثمانين من أهل الكتاب أربعون من نجران واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من الشام، وقال رفاعه : نزلت في عشرة أنا أحدهم : وصفهم الله فقال :﴿ وَإِذَا يتلى عَلَيْهِمْ ﴾ يعني : القرآن، قالوا :﴿ قالوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الحق مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ﴾، وذلك أنّ النبي - ﷺ - كان مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، أي كنا من قبل القرآن مسلمين مخلصين لله التوحيد مؤمنين بمحمد - ﷺ - أنه نبي حق.