قوله :﴿ وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحياة الدنيا ﴾، أي فهو متاع، وقرىء فمتاعاً الحياة بنصب « مَتَاعاً » على المصدر، أي : يتمتَّعون متاعاً، « والحَيَاةَ » نصب على الظرف، والمعنى : يتمتعون بها أيام حياتهم ثم هي إلى فناء وانقضاء ﴿ وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ وأبقى ﴾، هذا جواب عن شبهتهم فإنهم إن قالوا تركنا الدِّين لئلا تفوتنا الدنيا، فبيَّن تعالى أن ذلك خطأ عظيم، لأن ما عند الله خيرٌ وأبقى ( أمَّا أنَّه خير ) فلوجهين : الأول : أن المنافع هناك أعظم، والثاني : أنها خالصة عن الشوائب ومنافع الدنيا مشوبة بالمضار، بل المضار فيها أكثر، وأما أنَّها أبقى، فلأنها دائمة غير منقطعة ومتى قوبل المتناهي بغير المتناهي كان عدماً فظهر بذلك أن منافع الدنيا لا نسبة لها إلى منافع الآخرة، فلا جرم نبه على ذلك فقال :« أَفَلاَ تَعْقِلُونَ » أن الباقي خيرٌ من الفاني يعني أن من لا يرجح الآخرة على منافع الدنيا كأنه يكون خارجاً عن حد العقل، ورحم الله الشافعي حيث قال : من أوصى بثلث ماله لأعقل الناس صرف ذلك الثلث إلى المشتغلين بطاعة الله - تعالى - لأن أعقل الناس من أعطي القليل وأخذ الكثير وما هم إلا المشتغلين بالطاعة، فكأنه رحمه الله إنما أخذه من هذه الآية. وقرأ أبو عمرو « أَفَلاَ يَعْقِلُونَ » بالياء من تحت التفاتاً، والباقون بالخطاب جرياً على ما تقدم.
قوله :« َفَمَنْ وَعَدْنَاهُ » قرأ طلحة « أَمَنْ وَعَدْنَاهُ » بغير فاء « وَعْداً حَسَناً » يعني الجنة « فَهُوَ لاَقِيهِ » مصيبة ومدركه وصائرٌ إليه ﴿ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الحياة الدنيا ﴾ وتزول عن قريب ﴿ ثُمَّ هُوَ يَوْمَ القيامة مِنَ المحضرين ﴾ النار، وقرأ الكسائي وقالون :« ثُمَّ هُوَ » بسكون الهاء إجراءً لها مجرى الواو والفاء، والباقون بالضم على الأصل، وتخصيص لفظ « المُحْضَرِينَ » بالذين أحضروا للعذاب أمر عرف من القرآن، قال تعالى ﴿ لَكُنتُ مِنَ المحضرين ﴾ [ الصافات : ٥٧ ] ﴿ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴾ [ الصافات : ١٢٧ ] وفي اللفظ إشعار به، لأن الإحضار يشعر بالتكليف والإلزام، وذلك لا يليق بمجالس اللذة، وإنما يليق بمجالس الضرر والمكاره. قوله :﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ في الدنيا أنهم شركائي وتزعمون أنها تشفع فتخلصكم من هذا الذي نزل بكم، وتزعمون مفعولاه محذوفان أي :( تزعمونهم شركاءه )، ﴿ قَالَ الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول ﴾ أي : وجب عليهم العذاب وهم رؤوس الضلالة وقيل : الشياطين.
أحدهما : أن هؤلاء مبتدأ، والَّذِينَ أَغْوَيْنَا صفته والعائد محذوف، أي أغويناهم، والخبر « أَغْوَيْنَاهم »، و « كَمَا غَوَيْنَا » نعت لمصدر محذفو، ذلك المصدر مطاوع لهذا الفعل أي فغووا غيّاً كما غوينا، قاله الزمخشري، وهذا الوجه منعه أبو علي، قال : لأنه ليس في الخبر زيادة فائدة على ما في صفته، قال : فإن قلت : قد أوصل بقوله كما غوينا وفيه زيادة، قلت : الزيادة في الظرف لا يصيِّره أصلاً في الجملة لأنَّ الظرف صلاتٌ، ثم أعرب هو « هَؤُلاَء » مبتدأ و « الَّذِينَ أَغوَيْنَا » خبره، و « أغْوَيَنْاهم » مستأنف، وأجاب أبو البقاء وغيره عن الأول بأن الظرف قد يلزم كقولك زيدٌ عمرو في داره.


الصفحة التالية
Icon