فصل
المعنى : هؤلاء الذين دعوناهم إلى الغي وهم الأتباع ﴿ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا ﴾ أضللناهم كما ضلننا « تَبَرَّأنَا إلَيْكَ » منهم.
قوله :﴿ مَا كانوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ﴾ إيَّانَا مفعول « يَعْبُدونُ » قُدِّم لأجل الفاصلة وفي « ما » وجهان :
أحدهما : هي نافية ( أي تبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ).
والثاني : مصدرية ولا بدَّ من تقدير حرف جرٍّ أي : تبرأنا مما كانوا أي من عبادتهم إيانا، وفيه بعدٌ.
قوله :﴿ وَقِيلَ ادعوا شُرَكَآءَكُمْ ﴾ أي : وقيل للكافلين ادعوا شركاءكم، أي : الأصنام لتخلصكم من العذاب « فَدَعَوْهُمْ » ( فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا ) لَهُمْ لم يجيبوهم، والأقرب أن هذا على سبيل التقريع، لأنهم يعلمون أنه لا فائدة في دعائهم لهم.
قوله :﴿ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ ﴾ جوابها محذوف أي : لما رأوا العذاب، أو لدفعوه، قال الضحاك ومقاتل : يعني المتبوع والتابع يرون العذاب ولو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا ما أبصروا في الآخرة، وقيل : لو أنهم كانوا مهتدين في الدنيا لعلموا أنَّ العذاب حق، وقيل : لو كانوا يهتدون لوجه من وجوه الحيل لدفعوا به العذاب. وقيل قد آن لهم أن يهتدوا لو أنهم كانوا يهتدون إذا رأوا العذاب ويؤكد ذلك قول ﴿ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم ﴾ [ الشعراء : ٢٠١ ] قال ابن الخطيب : وعندي أن الجواب غير محذوف وفي تقديره وجوه :
أحدها : أن الله تعالى لما خاطبهم بقوله ﴿ ادعوا شُرَكَآءَكُمْ ﴾ فهاهنا يشتد الخوف عليهم ويصيرون بحيث لا يرون شيئاً، فقال تعالى :﴿ وَرَأَوُاْ العذاب لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ ﴾ شيئاً ولما صاروا من شدة الخوف لا يبصرون شيئاً لا جرم ما رأوا العذاب.
وثانيها : أن الله تعالى لما ذكر عن الشركاء وهم الأصنام الذين لا يجيبون الذين دعوهم، قال في حقهم :﴿ وَرَأَوُاْ العذاب لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ ﴾ مشاهدين العذاب، وكانوا من الأحياء لاهتدوا، ولكنها ليست كذلك، فلا جرم ما رأت العذاب فإن قيل : قوله :« ورأوا العَذَابَ » ضمير لا يليق إلا بالعقلاء، وكيف يصح عوده للأصنام، قلنا : هذا كقوله :﴿ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ ﴾، وإنما أورد ذلك على حسب اعتقاد القوم فكذا هاهنا.
وثالثها : أن يكون المراد من الرؤية رؤية القلب، أي : والكفار علموا حقيقة هذا العذاب في الدنيا لو كانوا يهتدون، قال : وهذه الوجوه عندي خير من الوجوه المبنية على أن جواب « لو » محذوف، فإن ذلك يقتضي تفكيك نظم الآية.