أو لمحذوف، فقدَّره، أبو البقاء : بغى عليهم وهذا ينبغي أن يردّ بما ردَّ به قول ابن عطية. وقدَّره الطبري : اذكر وقدره أبو حيان أظهر الفرح وهو مناسب، واعلم أنه كان في قومه من وعظه بأمور :
أحدها : قوله : لاَ تَفْرَح إنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الفَرِحِينَ، وقرى الفارحين - حكاها عيسى الحجازي - والمراد لا يلحقه من البطر والتمسك بالدنيا ما يلهيه عن أمر الآخرة، قال بعضهم : إنه لا يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأن إليها، وأمَّا من يعلم أنَّه سيفارق الدنيا عن قريب لم يفرح. وما أحسن قول المتنبي :
٤٠١٩ - أَشَدُّ الغَمِّ عِنْدِي في سُرُورٍ | تَيَقَّنَ عَنْهُ صَاحِبُهُ انْتِقَالاَ |
وثانيها : قوله :﴿ وابتغ فِيمَآ آتَاكَ ﴾ يجوز أن يتعلق « فِيمَا آتَاكَ » ب « ابْتَغِ »، وإن يتعلق بمحذوف على أنه حال، أَي : متقلباً « فِيمَا آتاكَ ». و « مَا » مصدرية أو بمعنى الذي. والمراد أن يصرف المال إلى ما يؤديه إلى الجنة، والظاهر أنه كان مقرّاً بالآخرة.
وثالثها : قوله :﴿ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا ﴾ قال مجاهد وابن زيد لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة وقال السُّدِّي : بالصدقة وصلة الرحم وقال علي ألاَّ تنسى صحتك وقوة شبابك وغناك أن تطلب بها الآخرة، « قال عليه السلام لرجل وهو يعظه :» اغْتَنِمْ خَمْساً قبلَ خَمْسٍ شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِك، وصحَّتك قبل سَقَمِكَ، وغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغك قَبْلَ شُغْلِكَ، وحَيَاتكَ قَبْلَ مَوْتِكَ «
قوله :﴿ وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ ﴾ : أي : إحساناً كإحسانه إليك، أي : أحسن بطاعة الله كما أحسن إليك بنعمته، وقيل : أحسن إلى الله إليك، وقيل إنه لما أمره بالإحسان بالمال أمره بالإحسان مطلقاً، ويدخل فيه الإعانة بالمال والجاه وطلاقة الوجه وحسن اللقاء.
قوله :﴿ وَلاَ تَبْغِ الفساد فِي الأرض ﴾ ولا تطلب الفساد في الأرض، وكل من عصى الله فقد طلب الفساد في الأرض، وقيل المراد ماكان عليه من الظلم والبغي، و » في الأَرْض « يجوز أن يتعلق ب » تَبْغ « أو ب » الفَسَادِ « أو بمحذوف على أنه حال وهو بعيد. ثم قال :﴿ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المفسدين ﴾، قيل : إن هذا القائل هو موسى عليه السلام؛ وقيل : بل مؤمنو قومه.
وقوله :» عِنْدي « إما ظرف ل » أُوتِيته «، وإما صفة للعلم.