﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [ الأنبياء : ٦٠ ]، هذا الكلام لا يقال إلا في مخمول من الناس.
فإن قيل : إنَّ إسماعيلَ كان من أولاده الصالحين ( وكان قد ) سلم لأمر الله بالذبح، وانْقَادَ لحكم الله ولم يذكر.
فالجواب : هو مذكور في قوله :﴿ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النبوة والكتاب ﴾ ( و ) لكن لم يصرح باسْمِهِ؛ لأنه كان بين فضله معه بهبته الأولاد والأحفاد، فذكر من الأولاد واحداً وهو الأكبر، ومن الأحفاد واحداً كما يقال القائل : إن السلطان في خدمته الملوك والأمراء، والملك الفلاني، والأمير الفلاني، ولا يعدد الكل لأنه ذكر ذلك الواحد لبيان الجنس لا لخصوصه، ولولا ذكر غيره لفهم منه التعديد، واستيعاب الكل فيُظَنّ أنه ليس معه غير المذكور.
فإن قيل : إن الله تعالى لما جعل في ذريته النبوة أجابه لدعائه، والوالد يجب أن يسوي بين ولده فكيف صارت النبوة في ولد « إسحاق » أكثر من النبوة في أولاد إسماعيل؟ فالجواب : أن الله تعالى قسم الزمان من وقت إبراهيم إلى ( يوم ) القيامة قسمين والناس أجمعين، فالقِسْم الأول من الزمان بعث الله تعالى ( فيه ) أنبياء فيهم فضائلُ جمّة، وجاءوا تترى واحداً بعد واحد، ومجتمعين في عصر واحد كلهم من ورثة إسحاق عليه السلام، ( ثم في القسم الثاني من الزمان أخرج من ذرية ولده إسماعيل واحداً اجتمع فيه ما كان فيه وأرسله إلى كافة الخلق وهو محمد عليه السلام ) وجعله خاتم النبيين، وقد دام الخلق على دين إسماعيل أكثر من أربعة آلاف سنة، ولا يَبْعُدُ أن يبقى الخلق على دين ذرية إسماعيل مثل ذلك المقدار.