قوله تعالى :« وإلَى مَدْيَنَ » أي وأرسلنا، أو بعثنا إلى مدين أخاهم « شعيباً » بدل، أو بيان، أو بإضمار : أعني، قيل : مدين : اسم رجل في الأصل وجهل وله ذرية فاشتهر في القبيلة، كتَمِيم، وقيسٍ وغيرهما، وقيل : اسم ما نسب القوم إليه فاشتهر في القوم، والأول أظهر، لأن الله تعالى أضافه إلى مدين بقوله :﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ ﴾ ولو كان اسم الماء لكانت الإضافة غير صحيحة أو غير حقيقية فالأصل في الإضافة التغاير حقيقة وقوله :« أخاهم »، قيل : لأن شعيباً كان منهم نسباً.
فإن قيل : قال الله ( تعالى ) في « نوح » :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ ﴾ [ العنكبوت : ١٤ ] فقدم نوحاً في الذِّكْرِ وعرف القوم بالإضافة إليه وكذلك في إبراهيم، ولوط، وههنا ذكر القوم أولاً، وأضاف إليهم أخاهم « شعيباً » فما الحكمة؟
فالجواب : أن الأصل في الجميع أن يذكر القوم ثم يذكر رسولهم لأن الرسل لا تبعث إلا غير معينين، وإنما تبعث الرسلإلى قوم محتاجين إلى الرسل فيرسل إليهم من يختاره، غير أن قوم نوح وإبراهيم ولوط لم يكن لهم اسم خاص، ولا نسبة مخصوصة يعرفون بها، فعرفوا بالنبي، فقيل : قوم نوح، وقوم لوط، وأما قوم « شعيب » و « هود » و « صالح » فكان لهم نسبٌ معلوم اشترهوا به عند الناس فجرى الكلام على أصله، وقال الله :﴿ وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً ﴾، ﴿ وإلى عاد أخاهم هوداً ﴾ فإن قيل : لم يذكر عن « لوط » أنه أمر قومه بالعبادة والتوحيد، وذكر عن شعيب ذلك.
فالجواب قد تقدم وهو أن « لوطاً » كان من قوم « إبْرَاهِيمَ »، وفي زمانه، وكان إبْراهيمُ سبقه بذلك، واجتهد فيه حتى اشتهر الأمر بالتوحيد عند الخلق عن « إبراهيم » فلم يحتج « لوطٌ » إلى ذكره، وإنما ذكر ما اختص به من المنع من الفاحشة وغيرها، وإن كان هو بدأ يأمر بالتوحيد، ( إذ ما من رسول إلا ويكون أكثر كلاماً في التوحيد، وأما « شعيب » فكان بعد انقراض ذلك الزمان، وذلك القوم، فكان هو أصلاً في التوحيد ) فبدأ به وقال اعبدوا الله.
قوله :﴿ وارجوا اليوم الآخر ﴾، قال الزمشخري : معناه افعلوا فعل من يَرْجُو اليومَ الآخر؛ إذ يقول القائل لغيره : كن عاقلاً ويكون معناه افعل فعل من يكون عاقلاً، فقوله :﴿ وارجوا اليوم آلآخِرَ ﴾ بعد قوله :« واعْبُدُوا اللَّهَ » يدل علي التفضل لا على الوجوب.
قوله :﴿ وارجوا اليوم الآخر ﴾، تقدم الكلام عليه، ونصب « مفسدين » على المصدر، كقول القائل : اجلس قعوداً.
قوله :﴿ فكذبوه فأخذتهم الرجفة ﴾.
فإن قيل :( ما الحكمة ) فيما حكاه الله عن شعيب من أمر ونهي، فالأمر لا يكذب، ولا يصدق، فإن قال لغيره اعبد الله لا يقال له : كذبت؟
فالجواب : كان شعيب يقول : الله واحد فاعبدوه، والحشر كائن فارجوه، والفساد محرم فلا تقربوه، وهذه فيها إخبارات، فكذبوه بما أخبر به.