قوله :﴿ فإذا ركبوا في الفلك ﴾ قال الزمخشري :« فإن قُلتَ » : بم اتصلَ قوله فَإذَا رَكبُوا في الفُلْك؟
قلتُ : بمحذوف دل عليه ما وصفهم ( به ) وشرح من امرهم معناه هم على ما وصفوا به من الشرك والغفلة فإذا ركبوا.
قوله :« دَعَوُا اللَّهَ » معناه : فإذا خافوا ( مِنَ ) الغرق دعوا الله مخلصين له الدين، وتركوا الأصنام، وهذا إشارة إلى تحقيق أن المانع من التوحيد هو الحياة الدنيا؛ لأنهم إذا انقطع رجاؤهم عن الدنيا رَجَعُوا إلى الفطرة الشاهدة بالتوحيد ووحدوا وأخلصوا، وإذا نجاهم وأرجأهم عادوا إلى ما كانوا عليه من حب الدنيا، وأشركوا لقوله :﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ وهذا إخبار عنهم بأنهم عند الشدائد يقرون أن القادر على كشفها هو الله - عزّ وجلّ - وحده، وإذا زالت عادوا إلى كفرهم، قال عكرمة : كان أهل الجاهلية إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام فإذا اشتدت عليهم الريح ألقوها في البحر، وقالوا : يا رب يا رب.
قوله :« ليَكْفُرُوا » فيه وجهان :
أظهرهما : أن اللام لام « كي » أي سَيُشْرِكُونَ لِيَكُونَ إشراكُهُم كفراً بنعمة لإنجاء « وَلِيَتَمَتَّعُوا » بسبب الشرك « فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ » وبال عملهم.
والثاني : أن تكون لام الأمر، ومعناه التهديد والتوعيد، كقوله :﴿ اعملوا مَا شِئْتُمْ ﴾ [ فصلت : ٤٠ ] أي ليجحدوا نعمة الله في إنجائه إياهم فسيعلمون فساد ما يعملون.
قوله :« وَلِيَتَمَتَّعُوا »، قرأ ابو عمرو وابنُ عامر وعاصمٌ وورشٌ بكسرها، وهي محتملة للأمرين المتقدمين، والباقون بسكونها، ( وهي ) ظاهرة في الأمر، لإإن كانت الأولى للأمر فقد عطف أمراً على مثله، وإن كانت للعلة فيكون عطف كلاماً على كلام، فيكون المعنى لا فائدة لهم في الإشراك إلا الكفر والتمتع بما يستمتعون به في العاجلة من غير نصيب في الآخرة وقرأ عبد الله فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ، وأبو العالية « فَيُمَتَّعُوا » بالياء من تحت مبنياً للمَفْعُولِ.
قوله :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً ﴾ وجه تعلقه بما قبله إن الإنسان يكون في البحر على أخوف ما يكون لا سيما غذا كان بيته في بلدٍ حصين فلما ذكر الله حال المشركين عند الخوف الشديد ورأوا أنفسهم في تلك الحالة راجعة إلى الله ذَكَّرَهُمْ حالهم عند الأمن العظيم وهي كونهم في مكة فإنها مدينتهم وبلدهم، وفيها سُكْنَاهُمْ، ومولدهم وهي حصين بحصن الله حيث من دخلها يمتنع من حصل فيها، والحصول فيها يدفع الشرور عن النفوس يعني : إنكم في أخوف ما أنتم دعوتم الله وفي أتم ما حصلتم عليه كفرتم بالله، وهذا متناقض، لأن دعاءكم في ذلك الوقت على سبيل الإخلاص ما كان إلا لِقَطْعِكُم بأن النعمة من الله لا غير وهذه النعمة العظيمة التي حصلت، وقد اعترفتم بأنها لا تكون إلا من الله فكيف تكفرون بها، والأصنام التي قد ( قطعتم ) في حال الخوف أن لا أمن منها لها كيف أَمِنْتُمْ بها في حال الأمن؟ ثم قال :« أَفِبَالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ » ( قرأ العامة ) يؤمنون ويكفرون بياء الغيبة، والحسن، والسلمي بتاء الخطاب فيهما، والمعنى : أفبالأَصْنَام والشياطين يؤمنون وبنعمة الله محمد والإسلام يكفرون؟
قوله :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افترى عَلَى الله كَذِباً ﴾ فزعم أن له شريكاً، والظلم وضع الشيء في غير موضعه فإذا وضعه في موضع لا يمكن ذلك موضعه يكون أظلم، لأن عدم الإمكان أقوى من عدم الحصول.


الصفحة التالية
Icon