قوله :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ ﴾ مبتدأ أو خبر أي وم جملة علامات توحيده وأنه يبعثكم خلقكم واختراعكم و « من » لابتداء الغاية، وقوله :« من تراب » أي خلق أصلنا وهو آدم من تراب، ( أ ) وأنه خلقنا من نطفة والنطفة من الغذاء والغذاء إنما يتولد من الماء والتراب على ما تقدم شرحه ﴿ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ﴾ في الأرض. والترتيب والمهلة هنا ظاهران فإنهم يصيرون بشراً بعد أَطْوَارِ كثيرة و « تَنْتَشِرُونَ » حال.
و « إِذَا » هي الفُجَائِيَّة، إلا أنَّ الفجائية أكثر ما تقع بعد الفاء؛ لأنها تقتضي التعقيب ووجه وقوعها ( مع ) « ثم » بالنسبة إلى ما يليق بالحالة الخاصة أي بعد تلك الأطوزار التي قَصَّها علينا في موضع آخر من كوننا نطفةً ثم علقةً ثم مُضْغَةً ( ثُمَّ عظماً مجرداً ) ثم عظماً مكسوّاً لحما ( فَاجَأ ) البشرية فالانتشار.
قوله :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً ﴾ « مِنْ أَنْفُسِكُمْ » يعني من بني آدم، وقيل خلق « حَوَّى » من ضِلَع آدم « لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ». والصحيح أن المراد من جنسكم كما قال :﴿ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ ﴾ [ التوبة : ١٢٨ ] ويدل عليه قوله :« لِتَسْكُنُوا إلِيها » يعني أن الجنسين المختلفين لا يسكن أحدهما إلى الآخر، أي لا يثبت نفسه معه، ولا يميل قلبه إليه ﴿ وجعل بينكم مودة ورحمة ﴾ ( وقيل : مودة ) بالمجامعة :( ورحمة ) للولد تَمَسُّكاً بقَوْلِهِ :﴿ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ ﴾ [ مريم : ٢ ]، وقيل : جعل بين الزوجين المودةَ ( والرحمة ) فهما يَتَوَادَّانِ، وَيَتَرَاحَمَانِ وما من شيء أحبَّ إلى أحد من الآخر من غير رحم بينهما. ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ يحتمل أن يكون المراد منه إن في خلق الأزواج « لآيات ». ويحتمل أن يقال :« إنَّ في جعل المودة والرحمة بينهم آيات لقوم يتفكرون » في عظمة الله وقدرته.
قوله :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السماوات والأرض ﴾ ثم لما أشار إلى دلائل الأنفس والآفاق ( ذكر ) ما هو من صفات الأنفس وهو قوله :« واخْتِلاَفَ ألْسِنَتِكُمْ » أي لغاتكم من عرب وعجم مع تنوع كل من ( الجنسين ) إلى أنواع شتى لا سيّما العجم، فإن لغاتهم مختلفة، وليس المراد بالألسنة الجوارح، وقيل : المراد بالألسن اختلاف الأصوات، وأما اختلاف الألوان فالمراد أبيضُ وأسودُ وأحمرُ وأنتم ولدُ رجلٍ واحد، ( وامرأةٍ واحدة ). وقيل : المراد باختلاف الألوان الذي بين ألوان الإنسان فإن واحداً منهم مع كَثْرة عددهم، وصغر حجم قدودهم لا يشتبه بغيره، والسموات مع غيرها وقلة عددها مشتبهات في الصورة ﴿ إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ ﴾، قرأ حفص بكسر اللام، جعله جمع عَالِمٍ ضد الجاهل ونحوه :﴿ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ العالمون ﴾ [ العنكبوت : ٤٣ ] والباقون بفتحها لأنها آيات لجميع الناس وإن كان بعضهم يَغْفُلُ عنها وقد تقدم أول الفاتحة الكلام في « العَالَمِينَ » ( قيل ) : هو جمع أو اسم جمع.