قوله :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بالليل والنهار ﴾ لما ذكر الأعراض اللازمة وهي الاختلاف ذكر الأعراض المفارقة ومن جملتها النوم بالليل والحركة بالنهار طلباً للرزق ( و ) قيل : في الآية تقديم وتأخير ليكون كل واحد مع ما يلائمه، والتقدير ومن آياته منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار، فحذف حرف الجر لاتصاله بالليل، وعطفه عليه لأن حرف العطف قد يقوم مَقَامَ الجَارِّ، والأحسن أن يجعل على حاله.
والنوم بالنهار مما كانت العرب تَعُدُّه نعمةً من الله، ولا سيما في أوقات القَيْلُولَةِ في البلاد الحارة، وقوله :﴿ وابتغآؤكم مِّن فَضْلِهِ ﴾ أي منهما فإن كثير ما يكتسب الإنسان بالليل، ويدل على الأول قوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَآ آيَةَ النهار مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [ الإسراء : ١٢ ] وقوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا الليل لِبَاساً وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشاً ﴾ [ النبأ : ١٠ - ١١ ]، ثم قال :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾ سماع تدبير واعتبار وقال ههنا :« لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ » ومن قبل :« لقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » وقال :« لِلْعَالَمِينَ » لأن المنام بالليل، والابتغاء يظّن الجاهل أو الغافل أنهما مما يقتضيه طبع الحيوان فلا يظهر لكل أحد كونهما من نعم الله، فلم يقل آياتٍ للعالمين، ولأن الأمرين الأولين وهو اختلاف الألسن والأولون من اللوازم والمنام والابتغاء من الأمور المفارقة فالنظر إليهما لا يدوم لزوالهما في بعض الأوقات ولا كذلك اختلاف الألسنة والألون فإنهما يدومان بدَوَام الإنسان فجعلها آيات عامة، وأما قوله :« لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » فإن من الأشياء ما يعلم من غير تفكر، ومنها ما يكفي فيه مُجَرَّدُ الفكرة، ومنها ما يحتاج بعض الناس في تفهمه إلى مثل حسيّة كالأشكال الهندسية، لأن خلق الأرواح لا تقع لأحد أنه بالطبع إلا إذا كان جامد الفكرة، فإذا تفكر علم كون ذلك الخلق آية، وأما المنام والابتغاء فقد يقع لكثير أنهما من أفعال العباد، وقد يحتاج إلى مرشد بغير فكرة فقال :« لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ » ويجعلون بالهم من كلام المرشد.
قوله :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البرق خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾ لما ذكر العرضيات اللازمة للأنفس المفارقة ذكر العرضيات التي للآفاق.
قوله :« يُريكُمُ البَرْق » فيه أوجه أظهرها : الموافق لأخواته أن يكون جملة اسمية من مبتدأ وخبر إلا أنه حذف الحرف المصدري، ولما حذف بطل عمله والأصل : ومن آياته أن يُرِيَكُمْ، كقوله :

٤٠٣٨ - أَلاَّ أيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الوَغَى ................................
الثاني : أن « من آياته » متعلق « بيريكم » أو بمحذوف على أنه حال من البَرْقِ. والتقدير « يريكم البرق من آياته » فيكون قد عطف جملة فعليةً على جملة اسمية.
والثالث : أن « يريكم » صفة لموصوف محذوف أي ومن آياته ( آية ) يريكم البرق بها أو فيها البرق فحذف الموصوف والعائد عليها ومثله :


الصفحة التالية
Icon