وقيل إن وقع بصره على إنسان قدم السلام، وإلاّ قدم الاستئذان ثم يسلم. والحكمة في إيجاب تقديم الاستئذان ألاَّ يهجم على ما لا يحل له أن ينظر إليه من عورة، أو على ما لا يحب القوم أن يعرفه من الأحوال.
فصل
عدد الاستئذان ثلاثاً لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله - ﷺ - « الاستئذان ثلاثٌ، الأولى يستضيئون، والثانية يستصلحون، والثالثة يأذنون أو يردون » وعن أبي سعيد الخدري قال :« كُنت جالساً في مجلس الأنصار، فجاء أبو موسى فزعاً، فقلنا له : ما أفزعك؟ فقال : أخبرني عمر أن آتيه فأتيته، فاستأذنت ثلاثاً، فلم يؤذن لي، فرجعت، فقال : ما منعك أن تأتيني؟ فقلت : قد جئت فاستأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي، وقد قال عليه السلام - :» إذا استأذنَ أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع «. فقال : لتأتيني ( على هذا ) بالبينة، أو لأعاقبنك، فقال أبو سعيد : لا يقوم معك إلا صغير القوم، قال : فقام أبو سعيد، فشهد له ».
وفي بعض الروايات أن عمر قال لأبي موسى : لم أتهمك، ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله.
وعن قتادة :« الاستئذانُ ثلاثةٌ : الأول ليسمع الحي، والثاني ليتهيأ، والثالث إن شاء أذن وإن شاء ردّ ».
وهذا من محاسن الآداب، لأنه في أول كرَّة ربما منعهم بعض الأشغال من الإذن، وفي الثانية ربما كان هناك ما يمنع، فإذا لم يجب في الثالثة يستدل بعدم الإذن على مانع. ويجب أن يكون بين كل واحدة والأخرى وقت ما.
فأما قرع الباب بعنف، والصياح بصاحب الدار فذاك حرام، لأنه إيذاء، وكذا قصة بني أسد وما نزل فيها من قوله :﴿ إَنَّ الذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الحجرات أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ [ الحجرات : ٤ ].
فصل
في كيفية الوقوف على الباب
روى أبو سعيد قال : استأذن رجلٌ على رسول الله - ﷺ - وهو مستقبل الباب، فقال عليه السلام :« لا تستأذِنْ وأنت مستقبلُ البابِ ».
« وروي أنه عليه السلام كان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، فيقول :» السلامُ عليكُمْ « وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور.
فصل
كلمة » حَتَّى « للغاية، والحكم بعد الغاية يكون بخلاف ما قبلها، فقوله :﴿ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ ﴾ يقتضي جواز الدخول بعد الاستئذان وإن لم يكن من صاحب البيت إذن.
والجواب أن الله تعالى جعل الغاية الاستئناس، ولا يحصل إلا بعد الإذن.
وأيضاً فإنّا علمنا بالنص أن الحكمة في الاستئذان ألا يدخل الإنسان على غيره بغير إذنه، فإنّ ذلك مما يسوؤه، وهذا المقصود لا يحصل إلا بعد الإذن.