وأيضاً قوله :﴿ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا ( حتى يُؤْذَنَ لَكُمُ ﴾ ) فمنع الدخول إلا مع الإذن، فدل على أن الإذن شرط في إباحة الدخول في الآية الأولى.
وإذا ثبت هذا فنقول : لا بد من الإذن أو ما يقوم مقامه، لقوله عليه السلام « إذا دُعِيَ أحدُكُم فجاء مع الرسول فإنَّ ذلك له إذن ».
وقال بعضهم : إن من جرت العادة بإباحة الدخول فهو غير محتاج إلى الاستئذان. واعلم أن ظاهر الآية يقتضي قبول الإذن مطلقاً سواء كان الآذن صبياً أو امرأة أو عبداً أو ذمياً، فإنه لا يعتبر في هذا الإذن صفات الشهادة، وكذلك قبول إحضار هؤلاء في الهدايا ونحوها.

فصل


ويستأذن على المحارم، « لما روي أن رجلاً سأل النبيَّ - ﷺ - فقال :» أأستأذن على أختي؟ « فقال عليه السلام :» نَعَمْ، أتحب أن تراها عريانة؟ « وسأل رجل حذيفة :» أأستأذن على أختي؟ « فقال :» إن لم تستأذن عليها رأيت ما يسوؤك «. ولعموم قوله :﴿ وَإِذَا بَلَغَ الأطفال مِنكُمُ الحلم فَلْيَسْتَأْذِنُواْ ﴾ [ النور : ٥٩ ] إلا أنَّ ترك الاستئذان على المحارم وإن كان غير جائز أيسر لجواز النظر إلى شعرها وصدرها وساقها ونحوه.

فصل


إذا اطلع إنسان في دار إنسان بغير إذنه ففقأ عينه فهي هدر، لقوله عليه السلام :»
مَن اطَّلع في دار قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه فقد هدرت عينه «.
وقال أبو بكر الرازي : هذا الخبر ورد على خلاف قياس الأصول، فإنه لا خلاف أنه لو دخل داره بغير إذنه ففقأ عينه كان ضامناً، وكان عليه القصاص إن كان عامداً، والأرش إن كان مخطئاً، والداخل قد اطَّلع وزاد على الاطلاع، فظاهر الحديث مخالف لما حصل عليه الاتفاق، فإن صحَّ فمعناه : من اطلع في دار قوم ونظر إلى حرمهم فمنع فلم يمتنع فذهب عينه في حال الممانعة فهي هدر، فأما إذا لم يكن إلا النظر ولم يقع فيه ممانعة ولا نهي ثم جاء إنسان ففقأ عينه فهذا جان يلزمه حكم جنايته لظاهر قوله تعالى :»
العَيْن بِالعَيْنِ « إلى قوله :» والجُرُوحَ قِصَاصٌ «.
وأجيب بأن التمسك بقوله :»
العَيْنُ بِالعَيْنِ « ضعيف، لأنا أجمعنا على أن هذا النص مشروط بما إذا لم تكن العين مستحقة، فإنه لو كانت مستحقة القصاص، فلم قلت : إن من اطَّلع في دار إنسان لم تكن عينه مستحقة؟
وأما قوله : إنه لو دخل لم يجز فقء عينه، فكذا إذا نظر.
والفرق بينهما أنه إذا دخل، علم القوم بدخوله عليهم، فاحترزوا عنه وتستروا، فأما إذا نظر فقد لا يكونون عالمين بذلك فيطلع منهم على ما لا يجوز الاطلاع عليه، فلا يبعد في حُكْم الشرع أن يبالغ هنا في الزجر حسماً لهذه المفسدة.


الصفحة التالية
Icon