ورابعها : أن اسم الأَيَامَى يشمل الرجال والنساء، وهو في الرجال ما أريد به الأولياء دون غيرهم، كذلك في النساء.
والجواب : أن جميع ما ذكرته تخصيصات تطرقت إلى الآية، والعام بعد التخصيص حجة، فوجب إذا التمست المرأة الأيم من الولي التزويج وجب، وحينئذ ينتظم الكلام.
فصل
الناس في النكاح قسمان :
الأول : من تتوقُ نفسُه للنكاح، فيستحب له أن ينكح إن وجد أهبته سواء كان مقبلاً على العبادة أو لم يكن، ولكن لا يجب، وإن لم يجد أهبته يكسر شهوته بالصوم لقوله عليه السلام :« يَا مَعْشَرَ الشَّبابِ، مَن اسْتَطَاعَ مِنْكُم البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأحْصَنُ للفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَصُمْ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ».
الثاني : من لا تتوق نفسه للنكاح، فإن كان لعلة من كِبَر أو مرض أو عجز فيكره له، لأنه يلتزم ما لا يمكنه القيام به، وكذلك إذا كان لا يقدر على النفقة.
وإن لم يكن به عجز وكان قادراً على القيام بحقه لم يكره له النكاح، لكن الأفضل أن يتخلّى للعبادة، لأن الله تعالى مدح يَحْيَى بكونه « حَصُوراً »، والحَصُور : الذي لا يأتي النساء مع القدرة عليهنّ، ولا يقال : هو الذي لا يأتي النساء مع العجز؛ لأن مدح الإنسان بما يكون عيباً غير جائز، وإذا كان مدحاً في حق يحيى وجب أن يشرع في حقنا، لقوله تعالى :« فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهْ »، ولا يحمل الهدى على الأصول، لأن التقليد فيها غير جائز، فوجب حَمْلُه على الفروع. وقال عليه السلام :« اعْلمُوا أَن خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاَةَ » وقال عليه السلام :« أَفْضَلُ أَعْمَالِ أُمَّتِي قرَاءَةُ القُرْآنِ » وقال أبو حنيفة : النكاح أفضل لقوله عليه السلام :« أحبُّ المباحات إلى الله النكاح » لأن النكاح يتضمن صون النفس عن الزنا، فيكون دفعاً للضرر عن النفس. والنافلة : جلب نفع. ودفع الضرر أولى من جلب النفع. وأجيب بأن يحمل الأحب على الأصلح في الدنيا، لئلا يقع التناقض بين كونه أحبّ وبين كونه مباحاً. والمباح : ما يستوي طرفاه في الثواب والعقاب.
والمندوب : ما ترجّح وجوده على عدمه، فتكون العبادة أفضل. وبقية المباحث مذكورة في كتب الفقه.
قوله :« مِنْكُم » أي : زوجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم.
وقيل : أراد الحرية والإسلام.
وقوله :﴿ والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ﴾ ظاهره يقتضي الأمر بتزويج هذين الفريقين إذا كانوا صالحين. وخصَّ الصالحين بالذكر ليحصن دينهم ويحفظ عليهم صلاحهم، ولأن الصالحين منهم هم الذين مواليهم يشفقون عليهم وينزلونهم منزلة الأولاد في المودَّة، فكانوا مظنة للتوصية والاهتمام بهم. ومن ليس بصالح فحاله على العكس من ذلك.