وهو قليل؛ لكونه مشتقاً. ونافعُ وابْنُ عَامرٍ عالمٌ بالرفع على هُوَ عالم، او على أنه مبتدأ وخبره « لاَ يَعْزُبُ » أو على أن خبره مضمر أي : هو ذكره الحَوفيّ. وفيه بعد، والباقون عالم بالخفض على ما تقدم وإذا جعل نعتاً فلا بدّ من تقدير تعريفه. وقد تقدم أن كل صفة يجوز أن تتعرف بالإضافة إلى الصفة المشبهة، وتقدمت قراءتا « يَعْزُب » في يُونُسِ.
فصل
اعمل أن الله تعالى ردَّ على مُنْكِري الساعة فقال :﴿ قُلْ بلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ﴾ فأخر بإيتيانها وأكدها باليمين.
فإن قيل : إنهم يقولون لا ريب أو إن كانوا يقولون به لكن المسألة الأصولية لا تثبت باليمين فأجاب عن هذا بأنه لم يقتصر على اليمين بل ذكر الدليل وهو قوله :﴿ لِّيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾. وبيان كونه دليلاً هو أن المسيء قد يبقى في الدنيا مدة مديدة في اللذات العاجلة ويموت عليها والمحسن قد يدوم في الدنيا في الآلام الشديدة ويموت فيها فلولا دار تكون للجزاء لكان الأمر على خلاف الحكمة.
قوله :﴿ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض ﴾ فيه لطيفة وهي أن الإنسان له جسم وروح، فالأجسام أجزاءها في الأرض والأرواح في السماء فقوله :﴿ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السماوات ﴾ إشارة إلى علمه بالأرواح، وقوله :﴿ وَلاَ فِي الأرض ﴾ إشارة إلى عمله بالأجسم فإذا علم الروح والأجسام قدر على جمعها فلا اسبعاد في الإعادة.
قوله :« وَلاَ أَصْغَرُ » العامة على رفع « أصْغَر وأَكْبَر » وفيه وجهان :
أحدهما : الابتداء، والخبر قوله « إلاَّ فِي كِتَابٍ ».
والثاني : النَّسَق على « مِثْقَالِ » وعلى هذا فيكون :« إلاَّ فِي كِتَابٍ » تأكيداً للنفي في :« لاَ يَعْزُبُ » كأنه قال لكنه في كتاب مبين وقرأ قتادة والأعمش ورويت عن أبي عمرو ونافع أيضاً بفتح الراءين. وفيها وجهان :
أحدهما : أنها « لا » التبرئة وبني اسمها معها، والخبر قوله :« إلاَّ فِي كِتَابٍ ».
والثاني : النسق على « ذَرَّةٍ » وتقدم في يونس أن حمزة قرأ بفتح رَاءِ « أَصْغَر » وأَكْبَر « وهنا وافق على الرفع وتقدم البحث هناك.
قال الزمخشري : فإن قلتَ : هَلاَّ جَازَ عطفُ :» وَلاَ أصْغَر « على » مِثْقَالِ « وعطف » وَلاَ أَكْبَر « على ذرة؟
قُلْتُ : يأبي ذلك حرف الاستثناء إلاا إذا جعلت الغيب اسماً للخفيات قبل أن تكتب في اللوح المحفوظ لأنها إثبات في اللوح نوع من البُرُوزِ عن الحجاب على معنى أنه لا ينفصل عن الغيب شيء ولا يُزَال عنه إلا مسطوراً في اللوح.