« يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إله إلاَّ اللَّهَ ومَنْ ( في ) قَلْبِهِ وزنُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمانٍ ».
والرزق الكريم مرتب على العمل الصالح وهذا مناسب فإن من عمل لسيد كريم عملاً فعند فراغه من العمل لا بدّ وأن ينعم عليه. وتقدم وصف الرزق بالكريم أنه بمعنى ذَا كرم أو مُكْرِم أو لأنه من غير طلب بخلاف رزق الدنيا فإنه إن لم يُطْلَبْ ويتسبب إليه لا يأتي.
فإن قيل : ما الحكمة في تَمييزِهِ الرزق بوصفه بأنّه كريمٌ ولم يضف المغفرة؟
فالجواب : لأنَّ المغفرة واحدة وهي للمؤمنين وأما الرزق فمنه شجرة الزَّقّوم والحَميم ومن الفواكهُ والشَّرَاب الطهور فميز الرزق لحصول الانقسام فيه ولم يميز المغفرة لعدم الانْقِسَام فيها.
فصل
قوله :﴿ أولئك لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون ذلك لهم جزاء فيوصله إليه لقوله :« ليَجْزِي الَّذِينَ آمَنُو ».
وثانيهما : أن يكون ذلك لهم واللَّهُ يجزيهم بشيء آخر لأن قوله :« أُلَئكَ لَهُمْ » جُملة ( تامة اسمية، وقوله تعالى :« لِيَجْزيَ الَّذِينَ آمَنُوا » جملة ) فعلية مستقلة وهذا أبلغ في البشارة من قول القائل : لِيَجْزِيَ الَّذين آمنوا وعملوا الصالحات رزقاً «.
فصل
اللام في » ليجزي « ومعناه الآخرة للجزاء.
فإن قيل : فما وجه المناسبة؟
فالجواب : أن الله تعالى أرد أن لا يقطع ثوابه فجعل للمكلف داراً باقيةً تكون ثوابه واصلاً إليه فيها دائماً أبداً وجعل قبلها داراً فيه الآلام والأسقام وفيها الموت ليعلم المكلق مقدار ما يكون فيه في الآخرة إذا نسبه إلى ما قبله.
قوله :» والِّذِين سَعَوْا « يجوز فيه وجهان :
أظهرهما : أنه مبتدأ و » أولئك « ( و ) ما بعده خبره.
والثاني : أنه عطف على الذي قبله أي ويجزي الذين سعوا ويكون » أُلَئِكَ « الذي بعده مستأنفاً و » أُلَئِكَ « الذي قبله وما في خبره معترضاً بين المُتَعَاطِفَيْن.
قوله :﴿ والذين سَعَوْا في آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ ﴾ أي في إبطال أَدِلَّتِنَا مُعَاجِزِينَ يحسبون أنهم يَفُوتُونَنَا وقد تقدم في الحج قراءتا معاجزين. وعلم أنه تعالى لما بين حال المؤمنين يوم القيامة بين حال الكافرين والمراد بهم الذين كذبوا بآياتنا وقوله :» مُعَاجِزِينَ « أي سَعَوا في إبْطَالِهَا لأن المكذّب آتٍ بإخفاء آياتِ بيناتٍ فيحتاج إلى السعي العظيم والجدّ البليغ ليروّج كَذِبَهُ لعله يُعْجز المتمسك به.
قوله :﴿ أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ ﴾ قرأ ابنُ كثير وحفصٌ هنا وفي الجاثية ألِيمٌ بالرفع والباقون بالخفض. فالرفع على أنه نعت » لعَذَابِ « والخفض على أنه نعت » لرجزٍ « إلا أن مَكِّيَّا ضعف قراءة الرفع واستبعدها قال : لأن الرّجز هو العذاب فيصير التقدير عذاب أليم من عذاب وهذا المعنى غير ممكن قال : والاختيار خَفْضُ » أليم « لأنه أصحّ في التقدير والمعنى إذ تقديره لهم عذابٌ من عذابٍ أليم أي هذا الصِّنف من أصناف العذاب، لأن العاب بعضه آلم من بعض وأجيب : بأن الرجز مطلق العذاب فكأنه قيل : لهم هذا الصنف من العذاب من جنس العذاب، وكأن أبا البقاء لَحَظَ هذا حيث قال : وبالرفع صفة لعذاب، والرِّجْز مطلق العذاب.