فصل


قال قتادة : الرجز أسوأ العذاب فيكون « مِنْ » لبَيَان الجِنْس كقولك : خَاتَمٌ مِنْ فِضَّةٍ. قال ابن الخطيب : قال هناك : لَهُمْ رِزْقٌ كَريمٌ ولم يقدر بمن التبغيضية فلم يقل : لهم نصيبٌ من رزقٍ، ولا رزق من جنس كريم، وقال ههنا « لهم عذابٌ مِنء رجزٍ أليم » بلفظة صالحة للتبعيض، وذلك إشارة إلى سَعَةِ الرحمة وقله الغضب وقال هناك :« لَهُمْ مغَفْرَةٌ » ثم قال :﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [ الأنفال : ٤ ] وههنا لم يقل إلا :« لَهُمْ عَذَابٌ » فزادهم هناك الرزق الكريم، وههنا لم يزدهم على العذاب وفيما قاله نظر، لقوله تعالى في موضع آخر :﴿ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العذاب ﴾ [ النحل : ٨٨ ].
قوله :﴿ وَيَرَى الذين أُوتُواْ العلم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه عطف على « لِيَجْزِيَ » قال الزمخشري : أي وليعلم الذين أوتوا العلم عند مجيء الساعة. وإنما قيده بقوله عند مجيء الساعة لأنه علق :« ليجزي » بقوله :« لَتَأتِيَنَّكُمْ » فبنى هذا عليه وهو من احسن ترتيبز
والثاني : أنه مستأنف أخبر عنهم بذلك « و الَّذِي أُنْزِلَ » هو المفعول الأول وهُو فَصْلٌ و « الْحَقَّ » مفعول ثانٍ، لأن الرؤية عِلْميَّة وقرا ابنُ أَبي عَبْلَةَ الْحَقُّ بالرفع على أن خبر « هُوَ » والجملة في موضع المفعول الثاني وهي لغة تميم يجلعون ما هو فل مبتدأ وخبر و « مِنْ رَبِّك » حال على القراءتين.

فصل


لما لين حال من يسعى في التكذيب في الآخرة بين حاله في الدنيا وهو أن سَعْيَه باطل فإن من أُوتِيَ علماً لا يعتبر تكذيبه وهو يعلم أن ما أنزل إلى محمد عليه ( الصلاة و ) السلام حق وصدق وقوله : هُوَ الحَقّ يفيد الحصر أي ليس الحق إلا ذلك وأم قول المكذب فباطل بخلاف ما إذا تنازع خَصْمَان والنزاع لفظي فيكون قوله كل واحد حقاً في المعنى، قال المفسرون :﴿ وَيَرَى الذين أُوتُواْ العلم ﴾ يعني مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سَلام وأصْحَابه ﴿ الذي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الحق ﴾ يعني القرآن هو الحق يعني أنه من عند الله.
قوله :﴿ ويهدي ﴾ فيه أوجه :
أحدها : أنه مستأنف وفي فاعل احتمالان : أظهرهما : أنَّه ضمير « الَّذِي » وهو القرآن والثاني : ضمير الله تعالى ويتعلق هذا بقوله :﴿ إلى صِرَاطِ العزيز الحميد ﴾ إذ لو كان كذلك لقيل : إلى صِراطِهِ ويجاب بأنه من الالتفات ومن إبراز المضمير ظاهراً تنبيهاً على وصفه بهاتين الصِّفَتَيْنِ.


الصفحة التالية
Icon