ويدل عليه قوله تعالى :﴿ واعملوا صَالِحاً ﴾ أي لستم مخلوقين إلا للعمل الصالح فاعملوا ذلك وأكثروا منه ولاكسب فقدروا فيه ثم أكد طلب الفعل الصالح بقوله :﴿ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ يريد بهذا والكسب فقدروا فيه ثم أكد طلب الفعل الصالح بقوله :﴿ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ يريد بهذا داود وآله، ثم لما ذكر المنيب الواحد منيباً آخر وهو سليمانُ كقوله تعالى :﴿ وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ ﴾ [ ص : ٣٤ ] ذكر ما ساتفاد من الإنابة وهو قوله تعالى :﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الريح ﴾ العامة على النصب بإضمار فعل، أي سَخَّرنَا لِسُلَيْمانَ، وأبو بكر بالرفع على الابتداء، والخبر في الجار قبله أو محذوف، وجوز أبو البقاء أن يكون فاعلاً يعني بالجار، وليس بقويّ لعدم اعتماده وكان قد وافقه في الأنبياء غيره، وقرأ العامة الرِّيحَ بالإفراد. والحَسَنُ وأبو حَيْوَةَ، وخالدُ بْنُ إلْيَاسَ الرِّيَاح جمعاً. وتقدم في الأنبياء أن الحسن يقرأ مع ذلك بالنصب وهنا لم ينقل له ذلك.
فإن قيلَ : الواو في قوله :« وَلِسُلَيْمَانَ » للعطف فعلى قراءة الرفع يصير عطفاً للجملة الاسمية على فعلية وهو لا يجوز أوْ لاَ يَحْسُنُ؟
فالجواب : أنه لما بين حال داود فكأنه قال : لما ذكر لداود ولسليمان الريح وإما على النصب على قوله :﴿ وَأَلَنَّا لَهُ الحديد ﴾ ( كأنه قال وألنا لداودَ الحديدَ ) وسخرنا لسليمان الريح.
قوله :﴿ غُدُوُّهَا شَهْرٌ ﴾ مبتدأ وخبر ولا بد من حذف مضاف أي غُدُوُّهَا مَسِيرةُ شَهرٍ أو مقدارُ غُدُوِّهَا شَهْرٌ، ولو نصب لجاز، إلا أنه لم يُقْرأ بها فيما علمنا، وقرأ ابن أبي عبلة غَدْوَتُهَا ورحتُها على المرّة، والجملة إما مستأنفة، وإما في محلِّ حالٍ.
فصل
المعنى غُدُوُّ تلك الريح المستمرة له مسيرةُ شهر، وسير رواحها شهر فكانت تسير به في يوم واحد مسيرةَ شهرين. قال الحسن : كان يَغْدُو من دمشقَ فيقيل بإصطخر _وبينهما مسية شهر، ثم يَرُوحُ من إصطخر فيبيت بكَابُل ) وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع وقيل : كان يتغذى بالرِّيِّ ويتعشى بسمرقَنْدَ.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله في الجبال معَ داوُودَ الجِبَالَ وفي الأنبياء وفي هذه السورة فقال : يا جبال أوبي معه وقال في الريح هناك وههنا : لسليمان باللام؟
فالجواب : أن الجبال لما سبَّحت شَرفت بذكر الله فلم يُضِيفْها إلى داود بلام الملك بل جعلها معه كالمصاحب والريح لم يذكر تسبيحها فجعلها كالمملوكة لَهُ.
قوله :﴿ مَنْ يَعْمَلُ ﴾ أي أذبْنَا له عين النُّحاس. والقِطْرُ : النحاسُ قال المفسرون : أجريت له عين النحاس ثلاثة أيام بلياليها كجَرْي المياه. وكان بأرضِ اليمن.
وإنما ينتفع الناس اليوم بما أخرج الله لسليْمَانَ.
قوله :﴿ ﴾ يجوز أن يكون مرفوعاً بالابتداء وخبره في الجار قبله أي مِنَ الجِنِِّ مَنْ يَعْمَلُ وأن يكون في موضع نصب بفعل مقدر أي وسَخَّرْنَا لَهُ مَنْ يَعْمَلُ و « مِنَ الجِنِّ » يتعلق بهذا المقدر، أو بمحذوف على أنه حال أو بيان، و « بإذن » حال أي مُيسّراً بإذن ربه، والإذن مصدر مضاف لفاعله، وقرئ :« وَمَنْ يَزُغْ » بضم الياء من أَزَاغَ ومفعوله محذوف أي يَزُغْ نَفْسَهُ، أي يُمِيلُها و « مِنْ عَذَابٍ » لا بتداء الغاية أو للتبعيض.