وقوله :﴿ قَالُوا مَاذَا ﴾ هو جواب « إذا »، وقوله :﴿ قَالُوا الحَقَّ ﴾ جواب لقوله :« مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ » و « الحَقَّ » منصوب بقَال مُضْمَرة أي قالوا : قَالَ رَبُّنَا الحَقَّ أي القَوْلَ الحَقَّ، إلاَّ أنَّ أبا حيان ردّ هذا فقال : وما قدّره ابن عطية لا يصح لأن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها ( و ) هم منقادون عنده دائماً لا ينفكون عن ذلك لا إذَا فُرِّع عَنء قُلُوبِهِمْ ولا إذا لم يُفَرَّعْ.
الثالث : أنه « زَعَمْتُمْ » أي زعمتم الكفر في غاية التفريغ ثم تركتم ما زعمتم وقلتم : قال الحق وعلى هذا يكون في الكلام التفات من خطاب في قوله :« زعَمْتُمْ » إلى الغيبة في قوله :« قُلُوبِهِمْ ».
الرابع : أنه ما فهم من سياق الكلام، قال الزمخشري : فإن قلت : باي شيء اتصل قوله :« حَتَّى إذَا فزع » ؟ وأي شيء وقَعَتْ « حَتَّى » غايةً؟ قلتُ : بما فهم من هذا الكلام من أن ثَمَّ انتظاراً للأذن وتوقفاً وتمهلاً وفزعاً من الراجين الشفاعة والشفعاء هل يؤذن لهم أو لايؤذن؟ وأنه لا يطلق الإذن إلاَّ بعد مليِّ من الزمان وطول من التَّربُّص ودل على هذه الحالة قوله - عزّ من قائل - ﴿ رَّبِّ السماوات والأرض ﴾ [ النبأ : ٣٧ ] إلى قوله :﴿ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَقَالَ صَوَاباً ﴾ [ النبأ : ٣٨ ] فكأنه قيل : يتربصون ويتوقفون ملِيًّا فزكعين وَجِلينَ حتى إذا فُزِّعَ عن قلوبهم أي كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن تَبَاشَرُوا بذلك وقال بعضهم لبعض : ماذَا قَالَ رَبَّكم قالوا الحق وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى وقرأ ابن عامر فَزَّعَ مبنياً للفاعل. فإن كان الضمير في « قلوبهم » للملائكة فالفاعل في « فزع » ضمير اسم الله تعالى تلقدم ذكره وإن كان للكفار فالفاعل ضمير مُغْويهِمْ. كذا قال أبو حيان والظاهر أنه يعود على الله مطقاً وقرأ الباقون مبنياً للمفعول والقائم مقام الفاعل الجارّ بعده، وفعل ابتشديد معناه السلب هنا نحوه « قَرَّدْتُ البَعِيرَ » أي أزلتُ قُرَادَهُ كذا هنا أي أزال الفَزَعَ عنها أي كشف الفَزَعَ وأخرجه عن قلوبهم فالتفريعُ لإزالة الفزع كالتَّمْريض والتَّقْرِيد.
وقرأ الحَسَنُ فُزِعَ مبنياً للمفعول مخففاً كقولك « ذُهِبَ بِزَيْدٍ »، والحسن أيضاً قتادة ومجاهد فَرَّغَ مشدداً مبنياً للفاعل من الفَرَاغِ الفَنَاءُ والمعنى حتى إذا أفنى الله الرجل انتفى بنفسه أو نفى الوجل والخوف عن قلوبهم فلما بني للمفعول قام الجار مَقَامه وقرأ ابنُ مسعود وابنُ عمر افْرُنْقِعَ من الافرنقاع وهو التفرق قال الزمخشري : والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين كما ركب « اقمطَرَ » من حروف القمط مع زيادة الراء، قال أبو حيان : فإن عنى أن العين من حروف الزيادة ( وكذا الراء وهو ظاهر كلامه فليس بصحيح لأن العين والراء ليسا من حروف الزيادة ) وإن عنى أنَّ الكلمة فيها حروف ما ذكر وزاد إلى ذلك العين والراء والمادة « فَرْقَعَ وقَمْطَرَ » فهو صحيح انتهى، وهذه قراءة مخالفة للشواذ ومع ذلك هي لفظة غريبة ثقيلة اللفظ نص أهل البيان عليها ومثلوا بها وحكي عن عيسى بن عمر أنه غُشِيَ عليه ذات يوم فاجتمع عليه النَّظَّارة فلما أفاق قال :« ما لي أرَاكُمْ تَكَأكأتم عَلَيَّ تكأكؤكم عَلَى ذِي جِنَّةٍ افْرَنْقِعُوا عنّي » أي اجتمعتم عليّ اجتماعكم على المجنون تفرقوا عني فعابها الناس عليه حيث استعمل مثل هذه الألفاظ الثقيلة المستغربة، وقرأ ابن عبلة بالرفع الحق على أنه خبر مبتدأ مضمر أي قالوا : قَوْلُهُ الحَقُّ.