قوله :« أَنْ اشْكُرْ » هذه « أن » المفسرة، فسر الله إيتاء الحكمة بقوله :﴿ أَنِ اشكر للَّهِ ﴾ ثم بين أن الشكر لا يشفع إلا الشاكر بقوله :﴿ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾ وبين أن من كفر لا يتضرر غير الكافر، فقال :﴿ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ أي غير محتاج إلى شكره، وقدم الشكر على الكُفْرَانِ ههنا وقال في الروم :﴿ مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ﴾ [ الآية : ٤٤ ] لأن الذكر في الروم كان للترهيب ولذلك قال :﴿ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ ﴾ [ الروم : ٤٣ ] فقدم التخويف، وههنا الذكر للترغيب؛ لأن وعظ الأب للابن يكون بطريق اللطف. والوعد.
قوله :﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ ﴾ هذا عطف على ما تقدم والتقدير آتينا لقمان الحكمة حين جعلناه شاكراً في نفسه، وحين جعلناه واعظاً لغيره.
قوله :« يا بُنَيَّ » قرأ ابن كثير بإسكان الياء وفتحها حفصٌ والباقون بالكسر ﴿ لاَ تُشْرِكْ بالله ﴾ بدأ في الوعظ بالأهم وهو المنع من الإشراك وقال :﴿ إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾، أما أنه ظلم فلأنه وضع النفس الشريفة المكرمة في عبادة الخسيس، فوضع العبادة في غير موضعها.
قوله :﴿ وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ ﴾ لما منعه من العبادة لغير الله والخدمة قريبٌ منها في الصورة بين أنها غير ممتنعة بل هي واجبة لغير الله ( في بعض الصور ) كخدمة الأبوين ثم بين السبب فقال :« حَمَلَتْهُ أُمُّهُ » يعني لله على العبد نعمة الابتداء بالخلق ونعمة الإبقاء بالرزق أي صارت بقدرة الله سبب وجود فإنها حملته وبرضاه حصل التربية والبقاء.
قوله :﴿ وَهْناً على وَهْنٍ ﴾ يجوز أن ينتصب على الحال من ( أُمُّهُ ) أي ضَعْفاً على ضعف. وقال ابن عباس : شدة عل شدة، وقال مجاهد : مشقة بعد مشقة وقال الزجاج : المرأة إذا حَمَلَتْ توَالَى عليها الضعف والمشقة، وقيل : الحمل ضعف والوضع ضعف، وقيل : منصوب على إسقاط الخافض أي في وهنٍ. قال أبو البقاء :« وعلى وهن » صفة له « الوَهْناً ». وقرأ الثَّقَفِي وأبو عمرٍو - في رواية - وَهَنا على وَهَنٍ - بفتح الهاء فيهما - فاحتمل أن تكونا لغتين كالشَّعْرِ والشَّعرِ، واحتمل أن يكون المفتوح مصدر « وَهِنَ » بالكسر يَوهَنُ وَهناً.
قوله :« وفصاله » قرأ الجَحْدِرِيُّ وقتادةُ وأبُو رَجَاء والحسنُ « وفَصْلُهُ » دون ألف - أي وفِطامُهُ في عامين.
فإن قيل : وصى الله بالوالدين، وذكر السبب في حق الأم مع أن الأب وجد منه الحشر من الأم لأنه حمله في صلبه سنين ورباه بكسبه سنين فهو أبلغ.
فالجواب : أن المشقة الحاصلة للأم أعظم فإن الأبَ حمله خلفة لكونه من جملةِ جَسَدِهِ، والأم حملته ثقلاً آدميّاً مودع فيها وبعد وضعه وتربيته ليلاً ونهاراً وبينهما ما لا يخفى من المشقة.


الصفحة التالية
Icon