﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور ﴾ [ هود : ٥ ].
ثم بين أن ما كانوا يعبدون لا ينفعهم فقال :﴿ فاليوم لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً ﴾. وهذا الخطاب يحتم أن يكون مع الملائكة لسبق قوله :﴿ أهؤلاء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ﴾ وعلى هذا يكون تنكيلاً للكافرين حيث بيّن لهم أن معبودهم لا ينفعهم ولا يضر. ويصحح هذا قوله تعالى :« لا يملكون الشّفاعة إلا لمن ارتضى ».
ولقوله بَعْدَه :﴿ وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا ﴾ ولو كان المخاطب هم الكفار لقال :« فَذُوفُوا » ويحتمل أن يكون داخلين في الخطاب حتى يصح معنى قوله :﴿ بَعْضُكُمْ لِبَعْضِ ﴾ أي الملائكة والجن وإذا لم تملكوها لأنفسكم فلا تملكوها لغيرهم، ويحتمل أن يكون الخطاب والمخاطب هم الكفار لأن ذكر اليوم يدل على حضورهم وعلى هذا فقوله :﴿ وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ إنما ذكره تأكيداً لبيان حالهم في الظلم.
فإن قيل : قوله « نفعاً » مفيد للحسرة فما فائدة ذكر الضرّ مع أنهم لو كانوا يملكون الضر لما نفع الكافرين ذلك؟
فالجواب : لما كان العبادة نفع لدفع ضرر المعبود كما يعبد الجبَّار، ويخدم مخافة شره بين أنهم ليس فيهم ذلك الوجه الذي يحسن لأجله عبادتهم.
فإن قيل :« قَوْلُه هَهُنَا :» الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا « صفة للنار وفي السجدة وصف العذاب فجعل المكذب هنا النار وجعل المكذب في السجدة العذاب وهم كانوا يكذبون بالكل فما فائدته؟
فالجواب : قيل : لأنهم هناك كانوا مُلْتَبِسٍين بالعذاب مترددين فيه بدليل قوله :﴿ كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ النار الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ [ السجدة : ٢٠ ] فوصف لهم ما لا بسوه وهنا لم يُلاَبِسُوهُ بعد لأنه عقيب حشرهم وسؤالهم فهو أول ما رأوا النار فقيل لهم : هذه النار التي كنتم بها تكذبون.
قوله :﴿ وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هذا ﴾ يعنون محمداً - ﷺ - »
إلاَّ رَجُلٌ يُريدُ أنْ يَصْدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ « فعارضوا الرهانَ بالتقليد » وَقَالُوا مَا هَذَا إلاَّ إفْكٌ مُفْتَرى « يعنون القرآن وقيل : القول بالوحدانية » إفْكٌ مُفْتَرًى « كقوله تعالى في حقهم :﴿ أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ الله تُرِيدُونَ ﴾ [ الصفات : ٨٦ ] وكقولهم للرسول :﴿ قالوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا ﴾ [ الأحقاف : ٢٢ ] وعلى هذا فيكون قوله :﴿ وَقَالَ الذين كَفَرُواْ ﴾ بدلاً وقالوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ؛ هذا إنكار للتوحيد وكان مختصاً بالمشركين، وأما إنكار القرآن والمُعْجِزة فكان متفقاً عليه بين المشركين وأهل الكتاب فقال تعالى :﴿ وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلْحَقِّ ﴾ على العموم.
قوله :﴿ وَمَا آتَيْنَاهُمْ ﴾ يعني المشركين »
مِنْ كُتُبٍ يَدرسونَها « العامة على التخفيف مضارع » دَرَسَ « مخففاً أي حفظ وأبو حيوة يُدَرِّسُونَها بفتح الدال مشددة وكسر الراء والأصل » يَدْتَرِسُونَها « من الادّارس على الافتعال فأدغم، وعنه أيضاً بضم الياء وفتح الدال وتشديد الراء نم التَّدْريس.


الصفحة التالية
Icon