فعلى هذا التذكير في قوله له ظاهر لأنه عائد على « ما يمسك » ويجوز أن يكون قد حذف الميَّن من الثاني لدلالة الأول عليه تقديره وما يمسك من رحمة فعلى هذا التذكير في قوله :« له » على لفظ « ما » وفي قوله أولاً : فلا ممسك لها التأنيث فيه حمل على معنى « ما » لأن المراد به الرحمة فحل مأولاً على المعنى وفي الثاني على اللفظ. والفَتْحُ والإمساك استعارة حسنة « وَهُوَ العَزِيزُ » فيما أمسك أي كامل القدرة « الحَكِيمُ » فيما أرسل أي كامل العلم. قال - عليه ( الصلاة و ) السلام « الَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجدّ مِنْكَ الجِدُّ ».
قوله :﴿ ياأيها الناس اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ ﴾ لما بين أن الحمد لله وبين بعض وجوه النعمة التي تَسْتَوجبُ الحمدل على سبيل التفصيل بني النعمة على سبيل الإجمال فقال :﴿ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ ﴾ وهي مع كونها منحصرة في قسمين نعمة الإيجاد ونعمة الإبقاء فقال :﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله ﴾ إشارة إلى نعمة الإيجاد في الابتداء وقال :﴿ يَرْزُقُكُمْ ﴾ إشارة إلى نعمة الإبقاء بالرزق في الانتهاء.
قوله :﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله ﴾ قرأ الأخوان « غَيْرٍ » بالجر نعتاً « لِخَالِقٍ » على اللّفظ و « مِنْ خَالِقٍ » متبدأ مراد فيه « من » وفي خبره قولان :
أحدهما : هو الجملة من قوله :﴿ يَرْزُقُكُمْ ﴾.
والثاني : أنه محذوف تقديره :« لكم » ونحوه، وفي « يرزقكم » على هذا وجهان :
أحدهما : أنه صفة أيضاً لخلق فيجوز أن يحكم على مَوْضِعِهِ بالجر اعتباراَ باللفظ وبالرفع اعتباراً بالمَوْضِعِ.
والثَّانِي : أنه مستأنف وقرأ الباقون بالرفع وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه خبر المبتدأ.
والثاني : أنه صلة لخالق على المَوْضِع والخبر إما محذوفٌ وإما « يَرْزُقُكُمْ ».
والثالث : أنه مرفوع باسم الفاعل على جهة الفاعلية لأن اسمَ الفاعل قد اعتمد على أداة الاستفهام إلاَّ أن أبا حيان توقف في مثل هذا من حيث إن اسم الفاعل وإن اعتمد إلا أنه لم يحفظ ( فيه ) زيادة « من » قال : فيحتاج مثله إلى سماع ولا يظهر التوفق فإن شروط الزيادة والعمل موجودة، وعلى هذا الوجه « فَيرْزُقُكُمْ » إما صفة أو مستأنف.
وجعل أبو حيان استئنافه أولى، قال : لانتفاء صدق « خالق » على غير الله بخلاف كونه صفة فإن الصفة تُقَيَّد فيكون ثَمَّ خالق غير الله لكنه ليس برازقٍ وقرأ الفضلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ النحويّ « غَيْرَ » بالنصب على الاستثناء والخبر « يَرزُقُكُمْ » أو محذوف و « يرزقكم » مستأنفةٌ أو صفةٌ.


الصفحة التالية
Icon