فل
قال ابن عباس : نزلت في أبي جهل ومشركي مكة وقال سعيد بن جبير : نزلت في أصحاب الأهْوَاء والبِدَع فقال قتادة : منهم الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم فأما أهل الكبائر فليسوا منهم لأنهم لا يستحلون الكبائر. ومعنى زين له سوء عمله شبه له وموه عليه وحسن له سوء عمله أي قبح عمله فرآه حسناً زين له الشيطان ذلك بالوسواس. وفي الآية حذف مجازه : أفمن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فرأى الباطل حَقًّا كَمَنْ هداه اله فرأى الحق حقاً والباطل باطلاً؟ « فإنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء » وذلك لأن أشخاص الناس متساوية في الحقيقة والإساءة والإحسان والسيئة والحسنة تمتاز بعضها عن بعض فإذا عرفها البعض دون البعض لا يكون ذلك بالاستقلال منهم فلا بدّ من الاستناد إلى إرادة الله تعالى.
ثم سلى- رسول الله ﷺ - حيث حزن على إصرارهم بعد إتيانه بكل آية ظاهرة وحجةٍ قاهرة فقال :﴿ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾ كقوله تعالى :﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ ﴾ [ الكهف : ٦ ] أي لا تغتمّ بكفرهم وهلاكهم إن لم يؤمنوا.
قوله :﴿ فَلاَ تَذْهَبْ ﴾ العامة على فتح التاء مسنداً « لِنَفْسِك » من باب « لاَ أَرَيَنَّكَ هَهُنَا » أي لا تتعاط أسباب ذلك. وقرأ أبو جعفر وقتادة والأشهب بضم التاء وكسر مسنداً لضمير المخاطب ( و ) نَفْسَك مفعول به.
قوله :﴿ حَسَرَاتٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه مفعول من أجله أي لأَجْلِ الحَسَرَاتِ.
والثاني : أنه في موضع الحال على المبالغة كأن كلها صَا ( رَ ) تْ حَسَرَاتٍ لفرط التحسر كما قال :
٤١٥٢- مشَقَ الْهَوَاجِرُ لَحْمَهُنَّ مَعَ السُّرَى | حَتَّى ذَهَبْنَ كَلاَكِلاً وَصُدُوراً |
يريد : رجعن كلاكلاً وصدرواً، أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها كقولهم ( شعر ) :
٤١٥٣- فَعَلَى إثْرِهم تَسَاقَطُ نَفْسِي | حَسَرَاتٍ وذَِكْرُهُم لِي سَقَامُ |
وكون
« كلاكل وصدور » حال قوله سيبويه وجعلها المُبَرِّدُ تَمْييزين منقولين من الفاعلية والحسرة شدة الحزن على ما فات من الأمر. ثم قال :
﴿ إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُون ﴾ أي الله عالم بفعلهم يجازيهم على ما يصنعونه، ثم عاد إلى البيان وقال :
﴿ والله الذي أَرْسَلَ الرياح ﴾ وهبوب الرياح دليل ظاهر على الفاعل المختار، لأن الهواء قد يسكن وقد يتحرك وعند حركته قد يتحرك إلى اليمين وقد يتحرك إلى الشمال وفي حركاته المخلتفة قد يُنْشِئ السَّحَابَ وقد لا يُنْشِئُ.