و « يَرْفَعُهُ » على هذا استئناف إخبار من الله برفعهما. وإنما وَحَّدَ الضمير وإن كان المراد الكلم والعمل ذهاباً بالضمير مذهب اسم الإشارة كقوله :﴿ عَوَانٌ بَيْنَ ذلك ﴾ [ البقرة : ٦٨ ] وقيل : لاشتراكهما في صفة واحدة وهي الصُّعود.
والثاني : أنه مبتدأ و « يرفعه » الخبر ولكن اختلفوا في فاعل « يَرْفَعُ » على ثلاثة أوجه :
أحدهما : أنه ضمير الله تعالى أي والعمل على الصالح يرفعهُ الله إليه.
والثاني : أنه ضمير العمل الصالح وضمير النصب على هذا وجهان :
أحدهما : أنه يعود على صاحب العمل أي يرفع صَاحِبَهُ.
والثان : أنه ضمير الكلم الطيب أي العمل الصالح يرفع الكلمَ الطيب. ونُقل هذا عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وعكرمة وأكثر المفسرين إلاَّ أنَّ ابن عطية منع هذا عن ابن عباس وقال : لا يصح؛ لأن مذهب أهل السنة أن الكلم الطيب مقبول وإن كان صاحبه عاصياً.
والثالث : أن ضمير الرفع للكلم والنصب للعمل أي يرفع العَمَلَ وقرأ ابنُ أبي عَبَلَةَ وعِيسَى بالنّصب الْعَمَلَ الصَّالِحَ على الاشتغال والضمير المرفوع لِلْكَلِم أو لله والمنصوب للْعَمَلِ.
فصل
قال الحسن وقتادة : الكلمُ الطَّيَّبُ ذكر الله والعمل الصلاح أداء فرائضه، فمن ذكر الله ولم يؤد فرائضه ردّ كلامه على عمله وليس الإيمان بالتمني ولا بالتًّخَلِّي لكمن ما وقَرَ في القلوب وصدقه الأعمال فمن قال حَسَناً وعَمِلَ غير صالح ردّ الله عليه قوله ومن قال حَسَناً وعمل صالحاً رفعه العمل لقوله تعالى :﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ ﴾ وقال عليه ( الصلاة و ) السلام - « لَمْ يَقْبَل اللَّهُ إلاَّ بِعَمَلٍ وَلاَ قَوْلاً وَعَمَلاً إلاَّ بِنِيَّة ». ومن قال الهاء في قوله « يَرفعُهُ » راجعةٌ إلى العمل الصالح أي الكلم الطيب يرفع العمل الصالح فلا يُقْبَلُ عَمَلٌ إلا أن يكون صادراً عن التوحيد. وهذا معنى قول الكلبي ومقاتل. وقال سفيان بن عيينة : العمل الصالح هو الخالص يعني أن الإخلاص سبب قبلو الخيرات من الأقولا والأفعال لقوله تعالى :﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا ﴾ [ الكهف : ١١٠ ] فجعل نقيض العمل الصالح الشِّرك والرياء.
قوله :﴿ والذين يَمْكُرُونَ السيئات ﴾ « يمكرون » أصله قاصر فعلى هذا ينتصب « السيّئات » على نعت مصدر محذوف أي المكراتِ السيئات أو تعتٍ مضاف إلى ( مصدر ) أي أصْنَاف المَكْرَاتِ السيئاتِ ويجوز أن يكون « يَمْكُرُونَ » مضمناً معنى يكْسِبُون فينتصب « السيئات » معفولاً به قال الزمخشري ويحتمل أن يقال استعمل المكر استعمال العمل فمعناه تعديته كما قال :﴿ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات ﴾ [ النساء : ١٨ ] قال مقاتل : يعني الشرك. وقال أبو العالية : يعني الذين مكروا برسول الله - ﷺ - في دار النَّدْوة كما قال تعالى :﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ ﴾ [ الأنفال : ٣٠ ].
قوله :﴿ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ ﴾ هو مبتدأ و « يبور » خبره والجملة خبر قوله :﴿ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ ﴾ وجوَّز الحَوْفِيُّ وأبو البقاء أن يكون « هو » فصلاً بين المبتدأ أو الخبر وخبره وهذا مردود بأن الفصل لا يقع قبل الخبر إذا كان فعلاً إلاَّ أن الجُرْجَانيِّ جوز ذلك، وجوز أبو البقاء أيضاً أن يكون « هو » تأكيداً وهذا مردود بأن المضمر لا يؤكد الظاهر ومعنى « يَبُور » يَهْلِكُ ويَبْطُلُ في الآخرة.