قوله تعالى :﴿ والله خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ.... الآية ﴾ قد تقدم أن الدلائل مع كثرتها منحصرة في قسمين : دلائل الآفاق ودلائل الأنفس كما قال تعالى :﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ ﴾ [ فصلت : ٥٣ ] فلما ذكر دلائل الآفاق من المسوات وما يرسل منها من الرياح شرع في دلائل الأنفس وتقدم ذكره مِراراً أن قوله :« مِنْ تراب » إشارة إلى خلق آدم « ثُمَّ مِنْ نُطْفِةٍ » إشارة إلى خلق أولاده. وتقدم أن الكلام غير محتاج إلى هذا التأويل بل خلقكم خطاب مع الناس وهم أولاد آدم، وكلهم من تراب ومن نطفة لأن كلهم من نطفة والنطفة من غذاء والغذاء ( ينتهي ) بالآخرة إلى الماء والتراب فهو من تراب صار نطفة « ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً ذُكْرَانا وإنَاثاً ».
قوله :﴿ ﴾ من مزيدة في « أُنْثَى » وكذلك في :« مِنْ مُعَمَّرٍ » إلا أن الأول فاعل وهذا مفعول قام مقامه و « إلاَّ بِعِلْمِهِ » حال أي إلاَّ مُلْتبِسَةً بعِلْمِهِ.
قوله :﴿ مِنْ أنثى ﴾ في هذا الضمير قولان :
أحدهما : أنه يعود على « مُعَمَّر » آرخ لأن المراد بقوله :« مِنْ مُعَمَّر » الجنس فهو يعود عليه لفظاً لا معنى، لأنه بعد أن فرض كونُه معمراً استحال أن يَنْقص مِنْ عُمُرِهِ نفسه كقوله :
٤١٥٥- وَكُلُّ أُنَاسٍ قَارَبُوا قَتْلَ فَحْلِهِم | وَنَحْنُ خَلَعْنَا قَيْدَه فهو سَارِبُ |
والثاني : أنه يعود على « مُعَمَّر » لفظاً ومعنى. أنه إذا مضى من عمره حول أُحْصِيَ وكُتِبَ ثم حول آخر كذلك فهذا هو النقص. وإليه ذهب ابن عباس وابن جبير وأبُو مالكٍ؛ ومنه قول الشاعر :
٤١٥٦- حياتك أنْفَاسٌ تُعَدُّ فَكُلما | مَضَى نَفَسٌ مِنْكَ انْتَقَصْتَ بِهِ جُزْءَا |
فصل
معنى « وما يعمر من معمر » لا يطول عمره ولا ينقص من عمره أي من عرم آخر كما يقال : لفلانٍ عندي درهم ونصفه أي ونصف درهم آخر « إلا في كتاب » وقيل : قوله ولا نيقص من عرمه ينصرف إلى الأول. وقال سعيد بن جبير : مكتوب في أم الكتاب عمر فلان كذا وكذا سنة ثم يكتب أسفل ( من ) ذلك ذهب يوم ذهب يومان ذهب ثلاثة أيام حتى ينقطع عمره.