فصل
قال أهل اللغة : لا يقال لماء البحر إذا كان فيه مُلُوحَةٌ مالحٌ وإنما يقال له : مِلْح.
وقد يذكر في بعض كتب الفقه يَصِيرُ بها ماءُ البَحْرِ مَالِحاً. ويؤاخذ قائله ( به ) وهو أصح مما يذهب إليه القوم وذلك لأن الماء العذب إذا ألقي فيه مِلْح حتى مَلَحَ لا يقالُ له إلا مالح. وماء مِلْحٌ يقال للماء الذي صار من أصل خِلْقَتِهِ كذلك لأن المَالِحَ شيء فيه مِلْحٌ ظاهر في الذَّوْق والماء الملح ليس ماءً ومِلْحاً بخلاف الطعام المالح فالماء العذب المُلْقَى فيه المِلْح ما فيه ملح ظاهر في الذَّوْق بخلاف ( ما هو مِلْحٌ ظاهر في الذَّوْقِ بخلاف ) ما هو من أصل خلقته كذلك ( فلما ) قال الفقيه : الملحُ أجزاء أرضيَّة سَبِخَة يصير بها ماءُ البَحْرِ مالحاً راعى فيه الأصل فإنه جعله ماءً جاوره مِلْحٌ. وأهل اللغة حيث قالوا في البحر ماؤه مِلْحٌ جعلوه كذلك من أصل الخلقة والأجَاجُ المُرُّ كما تقدم.
قوله :﴿ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً ﴾ من الطَّيْر والسَّمَك من العَذْب والملح جميعاً « وتَسَتْخَرِجُونَ حِلْيَةً » يعني من الملح دون العذب « تَلْبَسُونَها » من اللُّؤْلُؤ والمَرجَان. وقيل : نسب اللؤلؤ إليهما لأنه قد يكون في البحر الأجاج ( عيون ) عذبة تمتزج بالملح فيكون اللؤلؤ من ذلك. وقرئ « الفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ » أي ماخرات تَمْخُر البحر بالجَرَيَان أي تشُقّ جَوَارِي مقبلة ومدبرة بريح واحدة « لِتبَبْغُوا مِنْ فَضْلِهِ » بالتجارة « ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرونَ » الله على نعمة وهذا يدل على أن المراد من الآية الاستدلال بالبحرين وما فيهما على وجود الله ووحدانيته وكمال قدرته.
قوله :﴿ يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل ﴾ وهذا استلال آخر باختلاف الأزمنة وقوله :﴿ وَسَخَّرَ الشمس والقمر ﴾ جواب لسؤال يذكره المشركون وهوأنهم قالوا اختلاف الليل والنهار بسبب اختلاف القسيّ الواقعة فوق الأرض وتحتها فإن الصيف تكون الشمس على سَمْتِ الرُّؤُوس في بعض البلاد المائلة الآفاق وحركة الشمس هناك مائلة فتقع تحت الأرض أقل من نصف دائرة فيقل زمان مكثها تحت الأرض فيقْصُرُ الليل وفي الشتاء بالضَّدّ فيقصر النهار فقال الله تعالى :﴿ وَسَخَّرَ الشمس والقمر ﴾ يعني سبب الاختلاف وإن كان ما ذكرتم لكن سير الشمس والقمر بإرادة الله وقدرته فهو الذي فعل ذلك « كُلُّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسمَّى ».