قوله :﴿ لاَ يَمَسُّنَا ﴾ حال من مفعول « أَحَلَّنَا » الأول والثاني، لأن الجملة مشتملة على ضمير كل منهما وإن كان الحال من الأول أظهر والنَّصْبُ التَّعَبُ والمشقَّة، واللُّغُوبُ الفُتُورُ النَّاشِيءُ عنه وعلى هذا فيقال إذا انتفى السَّبَبُ فإذا قيل : لم آكل فيعلم انتفاء الشبع فلا حاجة إلى قوله ثانياً فلم أشبع بخلاف العكس ألا ترى أنه يجوز لم أشبع ولم آكل و ( في ) الآية الكريمة على ما تقرر من نفي السبب فما فائدته؟ وقد أجاب ابن الخطيب : بأنه بين مخالفة الجنة لدار الدنيا فإن أماكنها على قسمين موضع يمس فيه المشاق كالبَرَاري وموضع يمس فيه الإعباء كالبيوت والمنازل التي في الأسفار فقيل : لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ لأنها ليست مظانَّ المتاعب كدار الدنيا ولا يَمَسُّنَا فيها لغوب أي لا يخرج منها إلى مواضع يتعب ويرجع إليها فيمسنا فيها الإعياء وهذا الجواب ليس بذالك والذي يقال : إن النصب هو تعب البدن واللغوب تعب النفس. وقيل : اللغوب الوجع وعلى هذين فالسؤال زائل وقرأ عليُّ والسُّلَمِيُّ بفتح لام لغوب وفيه أوجه :
أحدهما : أنه مصدر على فَعُول كالقَبُول.
والثاني : أنه اسم لما يغلب به كالفَطُورِ والسَّحُور. قاله الفراء.
الثالث : أنه صفة لمصدر مقدر أي لا يَمَسُّنَا لُغُزبٌ لَغُوبٌ نحو : شعرٌ شاعرٌ وموتٌ مائتٌ وقيل : صفة لشيء غير مقدار أي أمرٌ لَغُوب.
قوله :﴿ والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ ﴾ عطف على قوله :﴿ إِنَّ الذين يَتْلُونَ كِتَابَ الله ﴾ [ فاطر : ٢٩ ] وما بينهما كلام يتعلق ﴿ بالَّذين يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ﴾ على ما تقدم.
قوله :﴿ فَيَمُوتُوا ﴾ العامة على نصبه لحذف النوف جواباً للنفي وهو على أحد مَعْنَيين نَصْبِ :« مَا تَأتِينا فَتُحَدِّثَنَا » أي ما يكون منك إتيان ولا حديثٌ. انتفى السبب وهو الإتيان فانتفى مسببه وهو الحديث. والمعنى الثاني : إثابت الإتيان ونفي الحديث أي ما تأتينا محدِّثاً بل تأتينا غيرَ محدث. وهو لا يجوز في الآية البتّة وقرأ عيسى والحسن « فَيَموتُونَ » بإثبات النون قال ابن عطية : وهي ضعيفة قال شهاب الدين وقد وَجَّهَهَا المَازِنيُّ على العطف على « لاَ يُقْضَى » أي لا يُقْضَى عليهم فلا يموتون. وهو أحد الوجهين في معنى الرفع في قولك : مَا تَأتِيناً فَتُحَدِّثُنَا أو انتفاء الأمرين معاً كقوله :﴿ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ [ المراسلات : ٣٦ ] أي فَلاَ يَعْتَذِرُونَ. و « عَلَيْهِمْ » قائمٌ مَقَامَ الفالع وكذلك « عَنْهُمْ » بعدَ « يُخَفِّفُ » ويجوز أن يكون القائم « مِنْ عَذَابِهَا » و « عَنْهُمْ » منصوب المحل، ويجوز أن يكون « مِنْ » مزيدةً عند الأخفش فيتعين قيامه مقام الفاعل لأنه هو المفعول به وقرأ أبو عمرو - في روايةٍ- ولا يُخَفِّفْ بسكون الفاء شبه المنفصل بعَضْدٍ كقوله :
٤١٦٢- فَالْيوْمَ أَشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ | ........................... |