﴿ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ ﴾ أي لا يَهْلِكُون فيستريحوا كقوله :﴿ فَوَكَزَهُ موسى فقضى عَلَيْهِ ﴾ [ القصص : ١٥ ] أي قَتَله. لاَ يَقْضِي عليهم الموت فيموتوا كقوله :﴿ وَنَادَوْاْ يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ﴾ [ الزخرف : ٧٧ ] أي الموت فنستريح بل العذاب دائم « ولا يخفف عنهم من عذابها أي من عذاب النار. وفي الآية لطائف :
الأولى : أن العذاب في الدنيا إن دام قتل وإن لم يَقْتُلْ يَعْتَادُهُ البدن ويصير مِزَاجاً فاسداً لا يحسّ به المعذب فقال عذاب نار الآرخرة ليس كعذاب الدنيا إما أن يفني وإما أن يألَفَهُ البَدّنُ بل هو في كل زمان شديد والمعذب فيه دائم.
الثانية : دقيق العذاب بأنه لا يفتر ولا ينقطع ولا بأقوى الأسباب وهو الموت حتى يتمنوه ولا يُجَابُون كما قال تعالى :﴿ وَنَادَوْاْ يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ﴾ [ الزخرف : ٧٧ ] أي بالموت.
الثالث : ذكر في المعذبين الأشقياء بأنه لا ينقصُ عذابهم ولم يقل : يزيدهم، وفي المثابين قال :﴿ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ﴾.
قوله :﴿ كَذلِكَ ﴾ إما مرفوع المحل أي الأمر كذلك، وإما منصوبة أي مِثْلُ ذلِكَ الجَزَاءِ يُجْزَى وقرأ أبو عمرو » يُجْزَى « مبنياً للمعفول كُلُّ رفع به والباقون نَجْزِي بنون العظمة مبنياً للفاعل كُلَّ مفعول به. والكَفُور الكافر.
قوله :﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ ﴾ يستغيثون ويصيحون » فِيهَا « وهو يَفْتَعِلُون من الصَّراخ وهو الصِّياح. وأبدلت الفاء صاداً لوقوعها قبل الطاء، » يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرجْنَا مِنْهَا « من النار فقوله :» ربنا « على إضمار القول وذلك القول إن شئت قدرته فعلاً مفسراً ليَصْطَرِخُونَ أي يقولون في صراخهم كما تقدم وإن شئت قدرته حالاً من فالع » يصطرخون « أي قَائِلينَ ربَّنا.
قوله :﴿ صَالِحاً غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَل ﴾ يجوز أن يكونا نَعْتَيْ مصدر محذوف أي عملاً صالحاً غير الذي كنا نعمل وأن يكونا نعتي مفعول به محذوف أي نعمل شيئاً صالحاً غير الذي كنا نعمل وأن يكون » صالحاً « نعتاً لمصدر و » غيرا لذي كنا نعمل « هو المفعول به. وقال الزمخشريُّ : فإن قلت : فهلا اكتفي بصالِحاً كما اكتفي به في قوله : فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً؟ وما فائدة زيادة غير الذي كنا نعمل؟ على أنه يوهم أنهم يعملون صلاحاً آخر غير الصالح الذي عملوه؟ قلتُ : فائدته زيادة التحسرّ على ما عملوه من غير الصالح مع الاعتراف به وأما الوهم فزائل بظهور حالهم في الكفر وظهور المعاصي ولأنهم كانوا يحسبون أنهم على سيرة صالحة كما قال تعالى :﴿ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾ [ الكهف : ١٠٤ ] فقالوا : أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِجاً غَيْرَ الِّذي كُنَا نَحْسَبُهُ صَالِحاً قوله :» أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ « ( أي فيقول لهم توبيخاً : أو لم نعمركم أي عَمَّرْنَاكُمْ مِقْداراً يمكن التذكرُ فيه.
قوله :﴿ مَّا يَتَذَكَّرُ ﴾ جوزوا في » ما « هذه وجهين :
أحدهما : ولم يحك أبو حيان غيره- : أنها مصدرية طرفية قال : أي مُدَّةَ تَذَكُّر، وهذه غلط لأن الضمير ( في ) يمنع ذلك لعوده على » ما « ولم يَقُلْ باسمية ما المصدرية إلا الأخْفَشُ وابنُ السِّرِّاجِ.