والثاني : أنها نكرة موصوفة أي تَعَمُّراً يُتّذَكَّرُ فيه أو زماناً يُتَذَكَّرُ فيه. وقرأ الأعمش ما يذَّكَّرُ بالإدغام من « اذَّكَّر » قال أبو حيان : بالإدغام واجتلاب همزة الوصل ملفوظاً بها في الدَّرج وهذا غريب حيث أثبت همزة الوصل مع الاستغناء عنها إلاَّ أَنْ يكون حافَظَ على سكون « من » وبيَان ما بعدها.
فصل
معنى قوله :﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ﴾ قيل : هو البلوغ. وقال قتادة وعطاء والكلبي : ثماني عشرة سنة وقال الحسن : أربعون سنة. وقال ابن عباس : ستون سنة. رُويَ ذلك عن عَلِيِّ وهو العمر الذي أَعْذَرَ الله إلى ابن آدم. قال - عليه ( الصلاة و ) السلام- :« أعْذَرَ اللَّهُ إلَى آدَم امْرىءٍ أخَّر أَجَلَهُ حَتَّى بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً » وقال عليه ( الصَّلاَةُ و ) السلام- :« أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلى السَّبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوز ذَلِكَ ».
قوله :﴿ وَجَآءَكُمُ ﴾ عطف على « أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ » ؛ لأنه في معنى قَدْ عَمَّرناكُمْ كقوله :﴿ أَلَمْ نُرَبِّكَ ﴾ [ الشعراء : ١٨ ] ثم قال : وَلَبِثْتَ ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ ﴾ [ الشرح : ١ ] ثم قال :﴿ وَوَضَعْنَا ﴾ [ الشرح : ٢ ] إذْ هما في معنى رَبَّيْنَاك وشَرَحْنا، والمراد بالنَّذير محمد - ﷺ - في قول أكثر المفسرين. قويل : القرآن. وقال عكرمة وسفيان بن عيينة ووكيع : هو الشيب والمعنى أو لم نعركم حتى شِبْتُم. ويقال : الشَّيْبُ نذير الموت. وفي الأثر : مَا مِنْ شَعْرَةٍ تَبْيَضُّ إلاَّ قَالَتْ لأُخْتِهَا : اسْتَعِدِّ ] فَقَدْ قَرُبَ الْمَوتُ وقرئ : النّذُر جمعاً.
قوله :﴿ فَذُوقُواْ ﴾ أمر إهانة « فَمَا » لِلظّالِمينَ « الذين وضعوا أعمالهم وأقوالهم في غير موضعها. » مِنْ نَصيرٍ « في وقت الحاجة ينصرهم، و » من نصير « يجوز أن يكون فاعلاً بالجار لاعتماده وأن يكون مبتدأ مخبراً عنه بالجار قبله.
قوله :﴿ إِنَّ الله عَالِمُ غَيْبِ السماوات والأرض ﴾ قرأ العامة عَالِمُ غَيْبِ على الإضافة تخفيفاً وجَنَاحُ بْنُ جبيش بتنوين عالم ونصبب ( غيب ) إنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور. وهذا تقرير لدوامهم في العذاب وذلك من حيث إن الله تعالى لما أعلم أنّ جزاءَ السِّيئة سيئة مثلها ولا يزاد عليها فلو قال ( قائل ) : الكافر ما كفر بالله إلا أياماً معدودة فينبغي أن لا يعذَّب إلا مثل تلك الأيام فقال : غن اله لا يخفى عليه غيب السموات والأرض فلا يخفى عليه ما في الصدور وكان يعلم من الكافر أن في قلبه تَمَكُّنَ الكُفْرِ لو دام إلى الإبد لما أطاع الله.