فصل


المراد بالمكر السيّء أي القبيح أضيف المرك إلى صفته قال الكلبي : هو إجتماعهم على الشرك وقيل النبي - ﷺ - وقال ابن الخطيب : هذا من إضافته الجنس إلى نوعه كما يقال : عِلْمُ الفِقْهِ وحِرْفَةُ الحِدَادَةِ ومعناه : ومكروا مكراً سيئاً ثم عُرِّف لظهور مكرهم ثم ترك التعريف باللام وأضيف إلى السيّئ لكون السر فيه أبين الأمور. ويحتمل أن يقال : بأن المكر استعمل استعمال العمل كما ذكرنا في قوله تعالى :﴿ والذين يَمْكُرُونَ السيئات ﴾ [ فاطر : ١٠ ] أي يعملون السيئات.
قوله :« ولا يحيق المكر السيّئ » أي لا يحل ولا يحيط، وقوله :« يَحِيقُ » ينبئ عن الإحاضة التي هي فوق اللحوق.
فإن قيل : كثيراً ما نرى الماكر يمكُر ويفيده المكر ويغلب الخصم بالمكر والآية تدل على عدم ذلك.
فالجواب من جوه :
أحدهما : أن يكون المكر المذكور في الآية هو المكر الذي مكروه مع النبي - ﷺ - من العزم على القتل والإخراج ولم يحق إلا بهم حيث قتلوه يوم بدر وغيره.
وثانيها : أن نقول : المكرُ عام وهو الأصح، فإن النبي - عليه ( الصلاة و ) السلام - نهى عن المكر وأخبر بقوله :« لا تَمْكُرُوا وَلاَ تُعِينُوا مَاكِراً فَإنَّ اللَّهِ يَقُولُ : وَلاَ يَحيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إلاَّ بِأهْلِهِ » وعلى هذا ( فذلك ) الرجل الماكر يكون أهلاً فلا يرد نفضاً.
وثالثها : أن الأعمال بعواقبها ومن مكر غيره ونفذ فيه المكر عاجلاً في الظاهر فهو في الحقيقة هو الفائز والماكر هو الهالك كمثل راحة الكافر ومشقَة المسلم في الدنيا ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى :﴿ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ ﴾ يعني إن كان لمكرهم في الحال رواجٌ فالعاقبة للتقوى والأمور بخَوَاتِيمها.
قوله :﴿ سُنَّةَ آلأَوَّلِين ﴾ مصدر مضاف لمفعوله و « وسُنَّةَ اللَّهِ » مصدر مضاف لفاعله لأنه سنَّها بهم فصحت إضافتها إلى الفاعل والمفعول. وهذا جواب ( عن ) سؤال وهو أن الإهلاك ليس سنة الأولين إنما هو سنة الله ف الأولين والجواب عن هذا السؤال من وجهين :
أحدهما : أن المصدر الذي هو المفعول المطلق يضاف إلى الفاعل والمفعول لتعلقه بهما من وجهٍ دون وجه فيقال فيما إذا ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْراً : عَجِبْتُ مِنْ ضَرْبِ عمرو وكيف ضرب مع ما له من الْقَوم والقُوة؟ وعجبتُ من ضَرْب عمرو وكيف ضرب مع ماله من العلم والحلم؟ فكذلك سنة الله بهم أضافها إليهم لأنها ( سنة ) سنت بهم وإضافتها إلى نفسه بعدها بقوله :﴿ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله ﴾ لأنها سنة من الله، فعلى هذا نقول : أضافها في الأول إليهم حيث قال : سنة الأولين، لأن سنة الله الإهلاك بالإشراك والإكرام على الإسلام فلا يعلم أنهم ينتظرون أيتهما فإذا قال : سنة الأولين تميزت وفي الثاني أضافها إلى الله لأنها لما علمت فالإضافة إلى الله تعظيماً وتبين أنها أمر واقعٌ ليس لها من دافع.


الصفحة التالية
Icon