أما القلبية مع أنها عن الشك والجهل ففيها ما لم يعلم دليله عقلاً وإنما وجب الإيمَانُ به والاعتقاد سمعاً كالصّراط الذي هو أرق من الشعر وأحدّ من السيف، ويمر عليه المؤمن كالبَرْق الخاطبف، والميزان الذي تزن به الأعمال الذي لا ثقل بها في نظر الناظر وكيفية الجنة والنار فإن هذه الأشياء وجودها لم يعلم بدليل عقلي وإنما المعلوم بالعقل إمكانها ووقوعها معلوم ( و ) مقطوع به بالمسع ومنها ما علم معناه وما لم يعلم كمقادير النصب وعدد الركعات والحكمة في ذلك أن العبد إذا أتى بما أمر به من غير أن يعمل ما فيه من الفائدة لا يكون الإتيان إلا لمحض العبادة بخلاف ما لو علم الفائدة فربما يأتي بها لفائدة وإن لم يؤمن كما لو قال السيد لعبده : انقُل هذه الحجارة من ههنا ولم يعلمه بما في لانقل فنقها ولو قال انقلها فإن تحتها كنزاً هو لك فإنه ينقلها وإن لم يؤمَر وإذا علم ها فكذلك في العبادات الِّسانية الذكرية يجب أن يكون ما لم يفهم معناه إذا تكلم به العبد علم أنه لا يعقل غير الانقياد لأمر المعبود الإلهيّ. فإذا قال : حم، يس، طس علم أنه لا يذكر ذلك لمعنى يفهمه بل يتلفظ به امتثالاً لما أمر به.

فصل


قال ابن عباس : يس قسم، ووري عنه أن معناه يا إنسان بلغة طيئ. قيل : لأن تصغير إنسان أُنَيْسِين كما تقدم عن الزمخشري فكأنه حذف الصدر منه وأخذ العجز وقال : ياسين أي أُنَيْسِينُ.
قال أكثر المفسرين عين محمداً - ﷺ - قال الحسن وسعيد بن جبير وجماعة. وقال أبو ( العالية : يا رَجُلُ. وقال أبو بكر الوراق : يا سيِّد البشر وقوله :﴿ والقرآن الحكيم ﴾ أي ذي ) الحكمة ك ﴿ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴾ [ الحاقة : ٢١ ] أي ذات رضا، أو أنه ناطق بالحكمة وهو كالحيِّ المتكلم.
قوله :﴿ إنَّكَ ﴾ و ﴿ على صِرَاط ﴾ يجوز أن يكون متعلقاً ب « المُرْسَلِين » يقول : أَرْسَلْتُ عليه، كما قال تعالى :﴿ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً ﴾ [ الفيل : ٣ ] وأن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه حال من الضمير المستكنِّ في « لَمِنَ المُرْسَلِين » لوقوعه خبراً وأن يكون حالاً من « المُرْسَلِينَ » وأن يكون خبراً ثانياً ل « إنَّكَ ».


الصفحة التالية
Icon