فصل


أقسم بالقرآن على أن محمداً من المرسلين. وهو رد على الكفار، حيث قولوا :( لَسْتَ مُرْسَلاً ).
فإن قيل : المطلب ثبت بالدليل لا بالقسم فما الحكمة بالإقْسَام؟!.
فالجواب من وجوه :
الأول : إن العرب كانوا يتقون الإيمان الفادرة وكانوا يقولون بأن الأيْمَان الفاجرة توجب خراب العالم وصحح النبي - ﷺ - ذلك بقوله :« اليَمينُ الكَاذِبَةُ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلاَقِعَ » ثم إنهم كانوا يقولون : إن النبي عليه - ( الصلاة و ( السلام - يصيبه عذاب آلهتهم، وهي الكواكب والنبي عليه ( الصلاة و ) السلام يحلق بأمر الله وإنزال كلامه عليه بأشياء مختلفة، وما كان يصيبه عذاب بل كان كل يوم أرْفَعَ شَأْناً وأمْنَعَ مَكَاناً، فكان ذلك يوجب اعتقاد أنه ليس بكاذب.
الثاني : أن المُتَنَاظِرَ ( يْنِ ) إذا وقع بينهما كلام، وغلب أحدهما الآخر بتمشية دليله وأسكته يقول المغلوب : إنك قدرت هذا بقوة جدالك، وأنت خبير في نفسك بضعف مقالتك، وتعلم أن الأمر ليس كما تقول وإن أقمت عليه الدليل صورة، وعجزت أنا عن القدح فيه وهذا كثير الوقوع بين المُتَناظِرَيْنِ فعند هذا لا يجوز أن يأتي هو بدليل آخر؛ لأن الساكت المنقطع يقول في الدليل الآخر ما قاله في الأول، فلا يجد أمراً إلا باليمين فيقول : وَاللَّهِ إنِّي لَسْتُ مُكَابِراً، وإنَّ الأمر على ما ذكرت ولم علمت خلافه لرَجَعْتُ إليه فههنا يتعين اليمين، فكذلك النبي عليه ( الصلاة و ) السلام أقام البراهين، وقالت الكفرة :﴿ مَا هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ ﴾ [ سبأ : ٤٣ ] وقالوا ﴿ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ [ الأحقاف : ٧ ] فالتمسك بالأيْمان لعدم فائدة.
الدليل الثالث : أن هذا ليس مجرد الحلف بل دليل خرج في صورة اليمين؛ لأن القرآن معجزة ودليل كَوْنه مُرْسَلاً هو المعجزة والقرآن كذلك.
فإن قيل : لِمَ لَمْ يذكر في صورة الدليل. وما الحكمة في صورة اليمين؟
فالجواب : أن الدليل إذا ذكر لا في صورة اليمين، قد لا يُقْبِلُ عليه السامع فلا يفيد فائدة، فإذا ابتدأ به على صورة اليمين لا يقع ولا سيما من العظيم إلا على عظيم، والأمر العظيم تتوفر الدواعي على الإصْغاء إليه فلصروة اليمين تقبل عليه الأسماع لكونه دليلاً شافياً يتشربه الفؤاد فيقع في السمع وفي القلب.
قوله :﴿ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ أي إنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم. والمسقيم أقرب الطرق الموصلة إلى المقصِد والدين كذلًك فإنه يوصل إلى الله وهو المقصد.
قوله :﴿ تَنزِيلَ العزيز الرحيم ﴾ قرأ نافعٌ وابنُ كَثيروأبُو عمرو وأبو بكر برفع « تنزيلُ » على أنه خبر متبدأ مضمير أي هُو تنزيل. ويجوز أن يكون خبراً لمبتدأ إذا جعلت « يس » اسماً للسورة أي هذه السورة المسمّاة ب « يس » تنزيلٌ، أو هذه الأحرف المقطعة تنزيلٌ.


الصفحة التالية
Icon